مقالاتمقالات الرأيمقالات تربوية

وجهة نظر …الأضحية والضغط الاجتماعي.

 

وجهة نظر …الأضحية والضغط الاجتماعي.

أ. فرحات الهوني

اتفقت جميع المذاهب الفقهية على أن الأضحية سنة مؤكدة للمستطيع.. وأن أجرها عظيم عند الله تعالى، وهذا الموضوع تحدث فيه الفقهاء بتوسع، ولكن هناك جانب آخر هو محور حديثنا، والخلط بين ما رفع من حرج لغير المستطيع والعرف السائد بالشعور بالإثم الاجتماعي عند عدم المقدرة.
في أعرافنا الاجتماعية تحولت إلى فرض يكابده الذي رفع الشرع عنه الحرج، وذلك ليحصل على أضحية يزيل بها الحرج الاجتماعي ولو على حساب قوته اليومي، والله عز جل يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.
وربما تفسد النية من قربان إلى الله فيريد التباهي…{لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى}، حتى أصبح عيد الأضحى عادة أكثر مما هو عبادة، وأصبح الاحتفال به فرضا لا ينبغي الخروج عنه، حيث أن هناك من تمنعه ظروفه من ممارسة هذا الشعيرة، لكن يقوم بالممكن والمستحيل من أجل الظهور بمظهر اجتماعي القوي.
فأغلب المجتمع ينظر إلى الذي لم يضحي أنه لحقته منقصة، وبأنه بلغت به الفاقة والعازة إلى أنه لم يضحي، وأصبحت أضحية العيد مظهرا يحكم المجتمعات.. ويتسابق أهل الخير لتوفير هذه الأضحية.. بينما هو عاجز ربما عن دفع إيجار أو شراء دواء أو إرجاع ديون أو صيانة بيت تآكل من الزمن، ومن هنا باتت النظرة المجتمعية هي الدافع لمسايرة التقليد، ولم يعد الأمر مرتبطا بسنة، وتحول عيد الأضحى من سنة تعبدية.. إلى عادة اجتماعية شبه إلزامية. مهما كان دخل الأسر، فشراء خروف العيد بحجة إدخال السرور على الأطفال، أصبح من أركان الثقافة المجتمعية، وضغط المجتمع حوله لإكراه مادي ومجتمعي تعيشه معظم الفئات، وعلى الخصوص الأسر الفقيرة والمتوسطة، والقليلون فقط من لهم استعداد لرفض هذا الضغط.
بل في بعض الأحيان تصرف الحكومة مرتبات وأجور الموظفين قبل العيد لمساعدة الأسر على شراء الخروف، بذلك تشتري الأسر الخروف ولوازمه، لكنها، على الأرجح، لا تحتفظ بما قد يكفي أفرادها لباقي الشهر فيستدينوا طوال الشهر التالي، وهنا يقع في حرج الدين ليسد كفافه، وإن كان الأجدر صرف منح ومكافأة تعين بها ذوي الدخل المحدود يضاف للمرتب.
يقول الأستاذ المغربي صالح الحبيب أستاذ علم الاجتماع:
“نلاحظ حتى النكات والقفشات التي تصلنا على مواقع التواصل، تترجم، بشكل ما، كل الضغط المادي والنفسي الذي أصبح عيد الأضحى، بتكلفته الباهظة، يمارسه على الأغلبية.
باختصار، تعيش معظم الأسر، وخصوصا ذوات الدخل المتوسط والمحدود، ضغطا اجتماعيًا رهيبا بمناسبة عيد الأضحى.”
وهذا أعتقد خلط في سلم الأولويات المعيشية.. فلو كانت عندنا أبجديات الثقافة أو الوعي الإسلامي في أن من لا يملك سعر أضحية رفع عليه الحرج وكان مقبولاً في مجتمعنا المضحي وغير المضحي…ولو كنا نعمل بمقتضى السنة لكان الفقير لا يجد أين يضع الهدايا التي تأتيه من الجيران والأقارب والأصدقاء.
فأين العلماء والمشايخ والخطباء والوعاظ لتوعية الناس بهذا المعنى؟، وأن الأضحية سنة تعبيدية وليست عادة اجتماعية تأتيها مكرهًا.
ويضيف الأستاذ صالح الحبيب:
“كم سيكون جميلا لو حاولنا مناقشة علاقتنا ببعض العادات والتقاليد التي استلهم أساسها من الدين، لكنها انحرفت عن هدفها الأصلي وأصبحت تشكل ضغطا مجتمعيا وماديا رهيبا على الفقراء، ولو استطعنا مناقشتها دون تشنج… حتى نبني مجتمعا متصالحا مع ذاته. مجتمع، حين يقوم أفراده بممارسة شعائرهم الدينية بهدف روحي ديني، وليس بسبب إكراه مادي ومجتمعي بما أن كل الآخرين يفعلون ذلك.”
والمؤسسات الخيرية بدل ما تسعى لشراء الأضاحي تنشر ثقافة التصدّق والإهداء للمضحي فتستقبلها وتوزيعها بمعرفتها وتحيي هذه السنة.
ولا أقصد من هذا الكلام عدم التصدق بالأضاحي على الفقراء وإدخال السرور عليهم ولكن يجب أن نفهم أن ذوي الدخل المحدود لا يكابد المشقة والحرج والضغط النفسي في أنه لم يضحِ.. {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، ويكون من المرونة في المجتمع ما يقبل العاجز عن شراء الأضحية.

فكم من مضحٍ ليس له من أضحيته إلا لحمها …وكم من عاجز عن الأضحية {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} فبلغ بنيته أعلى الجنان.
ثم هناك نصيحة لكل من يريد أن يضحي:
ونحن مقبلون على عيد الأضحى والكثير من إخواننا الفقراء بهم الفاقة، فاتقوا الله فيما تعرضون على صفحاتكم من ولائم وأطعمة بأصنافها والتباهي بها، لا تعينوا الشيطان عليهم، ولا تفسدوا عليهم نياتهم، لا تجعلوهم يتركون حاجتهم الملحة في حياتهم من الأساسيات، إلى ما هو غير ضروري، رفقا بمن لا يكاد يجد إلا قوت يومه.
أيضًا هناك قيمة أخلاقية عند الحديث عن النعم يقول المفكر عبد الكريم بكار:
“إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.. (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، ولكن ذلك التحديث حين يكون بصورة استفزازية للجيران والأصدقاء والزملاء.. فإنه يتحول من شيء ممدوح إلى عامل تحاسد وتباغض، وإلى وسيلة كسر لقلوب الفقراء والضعفاء، بل إن التحدث بالنعمة قد يفسد نسيجا اجتماعيا بأكمله، فحين تصرف الفوائض المالية على شراء السلع المغرقة في الكمالية والبذخ يندفع الفقراء إلى تقليد ذلك، ويؤدي التقليد إلى تبديد الثروة، وتسود روح الشكلية والمظهرية والرقي الكاذب، إلى جانب إشاعة مشاعر البرم والسخط وعدم الرضا لدى السواد الأعظم من الناس، حيث إن الرضا ينبع أصلاً من خلال مقارنة الإنسان نفسه بالآخرين.”
تقبل الله طاعاتكم وكل عام وأنتم بخير

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى