ولاة الأمصار في عهد عمر بن عبد العزيز… نموذج يحتذى به في إدارة الدولة
د. علي محمد الصلابي
اختار عمر لسياسة الرعية وأعمال الحق بين الناس؛ الولاةَ الثقات الخيرين الأبرار ممن اشتهروا بالأمانة والعلم والقوة والتواضع وعفة النفس، والعدالة، وحسن الخلق والرحمة والقدوة الحسنة ومشاورة الاخرين والنصح وعدم الأنانية والكفاءة والذكاء و الحكمة، وقد قال ابن كثير في ولاة عمر بن عبد العزيز: وقد صرَّح كثير من الأئمة بأن كل من استعمله عمر بن عبد العزيز ثقة[ البداية والنهاية، ص 270.]. ومن هؤلاء:
1 ـ الجراح بن عبد الله الحكمي (ولي خراسان وسجستان):
قال عنه الذهبي: مقدم الجيوش، فارس الكتائب، أبو عقبة الجراح بن عبد الله الحكمي ولي البصرة من جهة الحجاج، ثم ولي خراسان وسجستان لعمر بن عبد العزيز وكان بطلاً شجاعاً مهيباً، عابداً، قارئاً، كبير القدر [سير أعلام النبلاء، 5/189].
قال الجراح الحكمي: تركت الذنوب حياءً أربعين سنة، ثم أدركني الورع. كان على خراسان كلها حربها وصلاتها ومالها. قتل عام 112 هـ في خلافة هشام، فعن سليم بن عامر: دخلت على الجراح فرفع يديه، فرفع الأمراء أيديهم، فمكث طويلاً، ثم قال لي: يا أبا يحيى، هل تدري ما كنا فيه؟ قلت: لا، وجدتكم في رغبة فرفعت يدي معكم، قال: سألنا الله الشهادة، فوالله ما بقي منهم أحد في تلك الغزاة حتى استشهد. قال خليفة: زحف الجراح من برذعة سنة اثنتي عشر إلى ابن خاقا، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل الجراح في رمضان، وغلبت الخرز على أذربيجان وبلغوا إلى قريب الموصل، وكان البلاء بمقتل الجراح على المسلمين عظيماً، بكوا عليه في كل جند [سير أعلام النبلاء، 5/190].
2 ـ عدي بن أرطأة الفزاري (والي البصرة):
كان أمير البصرة لعمر بن عبد العزيز، حدَّث عن عمرو بن عبسة وأبي أمامة، قال عباد بن منصور: خطبنا عدي على منبر المدائن حتى بكى وأبكانا. وكان عمر بن عبد العزيز يتفقده بالنصائح والمواعظ، قال معمر: كتب عمر إلى عدي بن أرطأة: إنك غررتني بعمامتك السوداء، ومجالستك القراء، وقد أظهرنا الله على كثير مما تكتمون، أما تمشون بين القبور؟!
قدم عدي على البصرة، فقيَّد يزيد بن المهلب، ونفذه إلى عمر بن عبد العزيز، فلما مات عمر، انفلت، ودعا إلى نفسه وتسمى بالقحطاني، ونصب رايات سوداً، وقال: أدعو إلى سيرة عمر بن الخطاب، فحاربه مسلمة بن عبد الملك، وقتله، ثم وثب ولده معاوية فقتل عدياً، وجماعة صبراً، سنة اثنتين ومئة. قال الدارقطني: يحتج بحديثه.
3 ـ عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب (والي الكوفة):
الإمام الثقة الأمير العادل أبو عمر العدوي الخطابي المدني، ولي إمرة الكوفة لعمر بن عبد العزيز، كان قليل الرواية، كبير القدر، توفي سنة 115 ه.
4 ـ عمر بن هبيرة (والي الجزيرة):
كان من الدهاة الشجعان، وكان رجل أهل الشام، ولاَّه عمر الجزيرة (100 هـ)،
فتوجه إليها وغزا الروم من ناحية أرمينية، فهزمهم وأسر منهم خلقاً كثيراً، واستمر على الجزيرة إلى خلافة يزيد بن عبد الملك، فولاه إمارة العراق وخراسان، ثم عزله هشام بخالد القسري فقيده، وألبسه عباءة وسجنه، فتحيل غلمانه ونقبوا سرباً وأخرجوه منه، فهرب واستجار بالأمير مسلمة بن عبد الملك، فأجاره، ثم لم يلبث أن مات سنة سبع ومئة تقريباً.
5 ـ أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم (والي المدينة):
وهو أحد الأئمة الأثبات الثقات، أمير المدينة ثم قاضي المدينة، قيل: كان أعلم أهل زمانه بالقضاء، روى عن أبيه وعباد بن تميم وعن سلمان الأغر وخالته عمرة بنت عبد الرحمن وطائفة وعداده في صغار التابعين، روى عطاف بن خالد عن أمه عن زوجة ابن حزم: أنه ما اضطجع على فراشه منذ أربعين سنة، وقيل: كان رزقه في الشهر ثلاثمئة دينار.
6 ـ عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد الأموي (والي مكة):
أقر عمر على مكة عبد العزيز بن عبد الله الأموي والي سليمان بن عبد الملك، وثقه النسائي وابن حبان؛ توفي في خلافة هشام بن عبد الملك. [عمر وسياسته في رد المظالم، ص 273].
7 ـ رفاعة بن خالد بن ثابت الفهمي (والي مصر):
ذكر ابن تغري بردى خبراً انفرد به وهو: أن عمر بن عبد العزيز أقر على مصر عبد الملك بن رفاعة بن خالد بن ثابت الفهمي المصري الذي كان حسن السيرة عفيفاً عن الأموال، ثقة فاضلاً عادلاً بين الرعية، روى عنه الليث بن سعد وغيره، ثم عزله في شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين دون أن يذكر سبب عزله[عمر وسياسته في رد المظالم، ص 289]، وولى مكانه أيوب بن شرحبيل بن أكسوم بن أبرهة بن الصباح.
8 ـ إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي (والي المغرب):
كان صالحاً فاضلاً زاهداً، قدم إفريقية سنة (99 هـ)، ويقال: سنة (100 هـ)، كان حسن السيرة، سار فيهم بالحق فأسلم على يديه عامة البربر، وكان حريصاً على إسلامهم، وكان عمر يرسل إليه بالرسائل لدعوة أهل الذمة للدخول في الإسلام، فيقرؤها عليهم، توفي إسماعيل بن عبيد الله سنة (132 هـ).
9 ـ السمح بن مالك (بالأندلس):
الأمير الشهير، استعمله عمر على الأندلس وأمره أن يميز أرضها و يخرج منها ما كان فتحه عنوة فيأخذ منه الخمس، وأن يكتب إليه بصفة الأندلس، فقدمها سنة (100 هـ)، وفعل ما أمره به عمر، واستشهد غازياً بأرض الفرنجة [عمر بن عبد العزيز، عبد الستار، ص 271].
هؤلاء من أشهر ولاة عمر بن عبد العزيز الذين عينهم على الأقاليم والولايات، والذين كانوا عند حسن الظن.
ملاحظة هامة: “استفاد المقال مادته من كتاب: “عمر بن عبد العزيز”، للدكتور علي الصلابي، واعتمد في كثير من معلوماته على كتاب: “عمر بن عبد العزيز وسياسته في رد المظالم” للدكتورة ماجدة فيصل.
المراجع والمصادر:
- البداية والنهاية، أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي، دار الرّيان، الطبعة الأولى، 1408 هـ 1988 م.
- سير أعلام النبلاء، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذَّهبي، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة، بيروت 1402 هـ.
- عمر بن عبد العزيز وسياسة رد المظالم، ماجدة فيصل، مكتبة الطالب الجامعي، مكة، الطبعة الأولى، 1407 هـ 1987 م.
- عمر بن عبد العزيز، صالح العلي، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة الأولى 2000 م.
- الخليفة الراشد والمصلح الكبير عمر بن عبد العزيز، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير الطبعة الأولى، 2005م.