عاممقالات تربوية

 وَلَا تَنَازَعُوا: وصية ربانية تنقذ الجماعة من الفشل.

أ. محمد العوامي

يقول الله تعالى:
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
(سورة الأنفال، الآية 46)
“التنازع في الواقع العملي تمزق الإخوة وفقدان الإخلاص”

كم من جماعة بدأت صافية النية، قوية العزيمة، ثم ما لبثت أن عصفت بها رياح التنازع، وأطفأت نور الإخلاص فيها!
القرآن الكريم رسم لنا خريطة النجاة منذ أربعة عشر قرنًا: (طاعة، وحدة، وصبر).

بين يديك تأملات تربوية وإيمانية حول هذا العلاج النبوي العميق… فهلمّ بنا إلى رحلة في أعماق الآية المباركة…

ما أكثر ما تبدأ الأعمال قوية صافية، ثم تضعف وتفتر… ليس لنقص الإمكانيات، بل بسبب داء خفي ينخر في الجسد الجماعي: داء التنازع.
نداء رباني خالد يحذرنا: ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾.
في هذا المقال، رحلة في أعماق هذه الآية المباركة، لنكشف كيف يحمي الإخلاص ووحدة الصف عملنا من التمزق والضياع ومن أبرز آثاره:

✔️ تمزق العلاقات الإيمانية: تتحول الأخوة الصافية إلى عداوة، وتتفكك وحدة الصف.
✔️ فقدان الإخلاص: حين تصبح الغاية تحقيق مكانة أو سلطة، يتحول العمل من عبادة إلى منافسة دنيوية.
✔️ ضعف التأثير: الجماعة المتنازعة تفقد قوتها، ولا تستطيع مواجهة التحديات الكبرى.

☆ التحذير من الفرقة والتأكيد على الوحدة:
▪️قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾(سورة آل عمران، الآية 105)
▪️وقال رسول الله ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.» (رواه البخاري، حديث رقم 6011، ومسلم، حديث رقم 2586)
▪️وعن خطورة الاختلاف قال ﷺ: «فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم.» (رواه البخاري، حديث رقم 2685)
▪️الإمام الغزالي -رحمه الله- أشار إلى خطورة حب الرئاسة، فقال: «حب الرياسة آخر ما يخرج من قلوب الصديقين.» (إحياء علوم الدين، جـ 3، كتاب آفات النفس وأدوائها، صـ 244)

☆ الإخلاص شرط لقبول الأعمال:
يؤكد الله تعالى أن الغاية من العمل هي العبادة بإخلاص: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾(سورة البينة، الآية 5)
وقد جاء التحذير النبوي من الرياء والمنافسة الدنيوية:
▪️عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيامَةِ عليه…. ورَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ، وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ، وعَلَّمْتُهُ وقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقالَ: هو قارِئٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، .» (رواه مسلم، حديث رقم 1905)
▪️ ابن القيم -رحمه الله- قال: «الإخلاص يطهر القلب من إرادة العلو والجاه والرياسة.» (مدارج السالكين، جـ 2، صـ 91)
فالغاية هي رضا الله، لا الريادة ولا الشهرة.

☆ حلول عملية لتجنب التنازع في العمل الإسلامي:
✔️ ترسيخ الإخلاص: بتذكير العاملين بأن النجاح الحقيقي هو في نيل رضا الله تعالى.
✔️ اعتماد الشورى: قال الله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾(سورة آل عمران، الآية 159)
فالشورى تقي الجماعة من الاستبداد بالرأي.
✔️ التحلي بالتواضع: قال النبي ﷺ: «وإن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد.» (رواه مسلم، حديث رقم 2865)
✔️ التعالي عن الصغائر: بوضع المصلحة العامة فوق الاعتبارات الشخصية والأنانية.

☆ الصبر والوحدة طريق النصر
تختتم الآية الكريمة بالدعوة إلى الصبر، لأن التغلب على التنازع يحتاج إلى طول نفس وإصرار.
☆ فليكن شعار العاملين لدين الله:

(إخلاص النية + وحدة الصف = تحقيق النصر الموعود)

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (سورة الأنفال، الآية 46)

☆ من سلسلة “التدبر القرآني وأثره في التربية”

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى