يحكى أن رجلا ً من درنة.

أ.فرج كريكش

يحكى أن رجلا ً مسنا من مدينة درنة لم يبرحها يوما ، وعندما زار ذات مرة منطقة (الفتايح )وهي ضاحية لصيقة بالمدينة بل هي جزء منها لكنه لم يزرها أبدا من قبل ، قال جملة شهيرة يتداولها الناس في درنة
قال : ما أوسع ملك الله !
قد تضحك من قصر نظر هذا المسن وأنت الذي شددت الرحال إلى دبي واسطنبول وروما وباريس وأمستردام
ولكن صدقني أن نظرك وإن اتسعت حدوده ليس أطول من نظر ذلك الشيخ إلا قليلا !!
ولو نطق الذين سبقونا إلى العوالم الأخرى حيث الروح والملائكة لضحكوا من ضيق أفقك وانت الذي لم تخرج من الحياة الدنيا وتقول حينما تزور واشنطن دي سي : ما أوسع ملك الله
الذي يملك مليون دينار بعد فقر مدقع يعتقد أن هذا المال ثروة طائلة ولكن الملياردير الذي ابتلع ميزانية الدولة وأكل الأخضر واليابس وتاجر في السلاح والمخدرات يضحك منه ومن ثروته
ولكن صدقني أن ثروتك أيها الملياردير الفاسد ليست أكبر من ثروة ذلك الفقير إلا قليلا ، ولو تكلم الذين سبقونا إلى العوالم الأخرى حيث رياض الجنة وحفر النيران لضحكوا منك ومن ثروتك ولقالوا : (وما يغني عنه ماله إذا تردى ! )

صديقان تعاهدا معاً على أن من يسبق أخيه إلى الحياة الأخرى ، يعود إليه في المنام ويخبره عن تجربته وعما رآه هناك
، تأخر الميت عن صديقه لأكثر من سنة ثم زاره في المنام ،
حينما رآه بادره بالسؤال لم تأخرت كل هذا الوقت ؟
فأجابه : أن كل هذا الوقت كان حسابا ً ، قال وماذا وجدت ؟
قال ما وجدته أن حياتكم الدنيا كلها ليس فيها شيء يستحق العناية والاهتمام إلا القرآن !

أعرف سلفا قبل أي تعليق أنها قد تكون أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ، ولكن الرجل لم يقل إلا مقالة صادقة فلا يوجد في حياتنا شيء من العالم الآخر سوى القرآن والموت وربما الرؤى !

الموت يعلن عن وجوده في كل دقيقة والرحلات إليه لا تتوقف منذ قابيل وهابيل ولكننا عنه نحيد ونستبعد فكرة اقترابه تماما ، والقرآن لا يحدثنا شيئا عن الحياة الدنيا إلا بالمقدار الذي يؤهلنا للعيش في الآخرة عذرا أو نذرا !

ولكننا نتجاهل ولا نريد أن نرى إلا ما نريد حتى يأتينا اليقين وهو الموت

اقرأ في القرآن عن هذه الحقيقة التي يجب ألا ترى شيئا سواها
( كلا لو تعلمون علم اليقين لترون ) ماذا ؟
( لترون الجحيم )
عندما يهجم عليك الفيضان أو تهتز الأرض تحت أقدامك زلزالا أو تندلع الحرب على حافة منزلك فإنك لا ترى شيئا ولاتحفل بشيء سوى النجاة ، والنجاة من الجحيم أهم !

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفُرُش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله ) .

إذا أردت أن تخوض هذه الحياة الدنيا متحللا من الهموم والغموم والتعلق والخوف والقلق فلا تغفل عن الغيب والآخرة في المعادلة والميزان وإلا كنت كمن يحمل معه كيس فاكهة للميت حين يزور المقابر
إن أي حديث عن الاستثمار والمستقبل والتخطيط الاستراتيجي لا يكون الموت في مقدمته ليس واقعيا ولو كان عن الغد أو بعد غد
يقول المثل الانجليزي

There is an elephant in the room… how do you not see it?

أن في الغرفة فيلًا لا يبرح مكانه…
نراه جميعًا، ونتصرف وكأنه غير موجود.