البيئة التعليمية الآمنة
أ. مصباح بوكرش الورفلي
ها هو العام الدراسي الجديد يُقبل علينا حاملا معه بُشريات عديدة، وأوّل بواكيرها انتظامه بعد سنوات أعاقت مسيرته، من انقطاعات وتأجيلات حالت دون سيره بالصورة المأمولة والمتكاملة..
اليوم ومع انطلاق العام الدراسي الجديد، بداية سبتمبر وإعلان وزارة التربية والتعليم الخطة الدراسية له، وتجاوب المراقبات والأجهزة التابعة لها، بإعداد التجهيزات والوسائل والترتيبات المصاحبة للعملية التعليمية، يدعونا نحن أولياء الأمور إلى التعاون التام مع الوزارة والمراقبات التعليمية لأجل إنجاح الخطة الدراسية وإتمامها، وجني ثمارها وفوائدها على أبنائنا الطلبة تربويا وتعليميا، وأحسب أن هذا الأمر لن يتحقق إلا من خلال التجسير التربوي مع المدرسة لخلق بيئة تعليمية آمنة.
إن مسألة خلق البيئة التعليمية الآمنة تعدُّ من الضروريات المقاصدية في ظل الانفتاح على العالم، سواء بإبرام الاتفاقيات الدولية المعنية بحماية الطفل والاسرة أو غيرها أو بسبب غزو الفضاء الافتراضي لبيوتنا ومجتمعاتنا، ولهذا أرى أن هذه البيئة تبدأ من الأسرة المحضن التربوي الأول للطالب، تهيئ الطالب قبل انطلاقه للالتحاق بالعملية التعليمية نفسيا وتربويا أمر مهم لا ينبغي للأسرة التغافل عنه أو التقليل من أهميته أو رمي مسؤوليته على المدرسة ومكاتبها الإرشادية.
الأسرة المدركة لدورها التربوي تعي تماما الدور التكاملي لهذه العملية التربوية، ولكن غياب هذا الفهم أو تغييبه من سلّم أولوياتها بحجة كثرة المسؤوليات الأسرية يُربك الحقل التعليمي في أداء مهمته، بخلق بيئة تعليمية آمنة، وسط ترتيبات وأدوار جديدة باتت تشترك في خلق هذه البيئة التعليمية الآمنة.
ولسنا هنا بصدد التشكيك في أي دور قد يُسهم في العملية التربوية والتعليمية، ولكن مقصدنا يكمن في كيفية تقاسم هذه الأدوار وترتيبها لتكتمل العملية التربوية والتعليمية، ولتكون بيئة آمنة وجاذبة للطالب لا منفّرة له، بسبب التعنيف اللفظي والجسدي تراعي تماما الخصوصية الليبية.
ولهذا فإن حالة الرُّهاب التي عايشتها الأجيال الفائتة من البيئة التعليمية تعود أساسًا إلى افتقار هذا التجسير مع وجود ثقافة العقاب المتوارثة من الطرق التقليدية القديمة، وإن حقَّقت بعضا من أهدافها في تلك الفترة، إلا أن تفاوت الأجيال واختلاف أنماطه يحتّم على العملية التربوية والتعليمية انتهاج وسائل أكثر نجاعة، تحقق المراد التربوي والتعليمي قادرة على تحصين الطالب وتأهيله تربويا وتعليميا، تراعي متطلباته وواجباته وحقوقه المبثوثة في ديننا الحنيف وهويّتنا الليبية.
المحضن التربوي الأول الأسرة، في الماضي القريب، كان أكثر اتّكالية على البيئة التعليمية نظرا للموثوقية المطلقة بها تربويا وتعليميا تحت شعار: “المعلم دائما على حق”، وقلّما يجد الطالب المُرهَّب نصيرا له في بيت أسرته، وبهذا يحاول إمّا التأقلم مع هذه البيئة أو يسلك طرقا تفضي به إلى التسريب المدرسي والإهمال وغيرها من السلوكيات.
ولو رجعنا للسبب الرئيس نجد أن العملية التربوية ما بين المحضنين غير متكاملة أو متوافقة، وقد لا يقع اللوم على المحضن الأول “الأسرة” بدرجة كبيرة، لربما يرجع الخلل أيضًا إلى المدرسة وكادرها التربوي والتعليمي، لعدم قدرته التأهيلية والتدريبية على احتواء مثل هذه القضايا التربوية.
ولهذا من أولويات المحضنين التجسير التربوي السليم عبر برامج تدريبية وتأهيلية وتعريفية طوال العام الدراسي، منطلقة من قيمنا الإسلامية، سواء عبر ملتقيات دورية، أو مطويات وكتب توضيحية وإرشادية بحقوق وواجبات الطالب والمعلم، والمهام المنوطة بالمحضنين التربويين مراعية تغيّر الأنماط والأساليب.
لذا فإن عدم تفعيل هذا التجسير بين المحضنين التربويين الأساسيين بالصورة الحقيقية؛ يجعلنا في واقع قد يفرض علينا توصيات وإملاءات بعيدة عن هُويتنا الليبية وقيمنا، فتتداخل المهام، ويستشكل الأمر على المكلّفين بها، ويتلاشى الهدف التربوي والتعليمي، وقبل أن نقع في هذه التداخلات يتطلب منا التنسيقية الفاعلة التي تراعي الخصوصية الليبية وهويّتها وقيم ديننا الحنيف والمورث الأسري النقي إذا أردنا فعلا خلق بيئة تعليمية آمنة لأبنائنا.