عاممرئياتمقالات تربوية

أبو سعيد الخدري رضي الله عنه

د. علي محمد الصلابي

إنه الصحابي أبو سعيد سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْخُدْرِيُّ الْخَزْرَجِيُّ الْأَنْصَارِيُّ (رضي الله عنه). أحد المكثرين لرواية الحديث النبوي، أبوه مالك بن سنان له صُحبة، وهو من شهداء غزوة أحد، وأخو أبي سعيد لأمه هو قتادة بن النعمان الذي شهد غزوة بدر. تقدّم أبو سعيد الخدري (رضي الله عنه) للمشاركة في غزوة أحد سنة 3 هـ، إلا أن النبي محمد ردّه يومها لصغر سنه. لكنه شارك في غزوة الخندق، وغزوة بني المصطلق وعشرة غزوات أخرى مع النبي محمد ﷺ، كما شهد بيعة الرضوان.

وقد وُلِدَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِي (رضي الله عنه) سَنَةَ ثلاث من بعثة الرسول ﷺ. وأسلم هو وأبوه وأمه على يد مصعب بن عمير (رضي الله عنه) قبل هجرة النبي ﷺ إلى المدينة وهو في الثامنة من عمره. (جمهرة أنساب العرب، ابن حزم، ص362)

وأما عن بيعته لرسول الله ﷺ فيحدثنا عنها الصحابي الأنصاري سهل بن سعد الساعدي (رضي الله عنه) فيقول: بايعت النبي ﷺ أنا وأبو ذر، وعبادة بن الصامت، ومحمد بن مسلمة، وأبو سعيد الخدري، على ألا تأخذنا في الله لومة لائم.(الإصابة، ابن حجر، ج3 ص66)

وفي أحد، في شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة، خرجت قريش لقتال النبي ﷺ والمسلمين في المدينة، فأحاط المهاجرون والأنصار وأبناؤهم رسول الله ﷺ. فعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)، قال: «عُرِضْتُ يَوْمَ أُحُدٍ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَلِي ثَلَاثَ عَشْرَةَ، فَجَعَلَ أَبِي يَأْخُذُ بِيَدِي فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهُ، إِنَّهُ عَبِلُ الْعِظَامِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَذِّنَا، قَالَ: وَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَعِدُ فِي الْبَصَرَ وَيُصَوِّبُهُ، ثم قَالَ: رُدَّهُ، فَرَدَّنِي”. فوقف أبو سَعِيدٍ (رضي الله عنه) مع بقية من رَدَّهُم النبيُّ ﷺ وَأَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حزناً على فراقهم لرسول الله ﷺ. (السيرة النبوية، علي محمد الصلابي، ص590، بتصرف)

وكانت أول مشاهد أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ (رضي الله عنه) مع رسول الله ﷺ غزوة بني المصطلق، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثم شَهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَشَاهِدَ كلها. (المستدرك، للحاكم، برقم: 6388)

وقد كان أبو سَعِيدٍ (رضي الله عنه) مع النبي في الحديبية،وكان ممن بايع تحت الشجرة، فهنيئاً له البشرى في قول الله تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: ١٨].

وعن أَبِي سَعِيدٍ (رضي الله عنه) قَالَ: «أَصَابَنِي جُوعٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى شَدَدْتُ عَلَى بَطْنِي حَجَرًا، فَقَالَتْ لِي امْرَأَتِي : لَوْ أَتَيْتَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَسَأَلْتَهُ، فَقَدْ أَتَاهُ فُلَانٌ فَسَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ، وَأَتَاهُ فُلَانٌ فَسَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ، فَقُلْتُ : لَا أَسْأَلُهُ حَتَّى لَا أَجِدُ شَيْئًا، فَالْتَمَسْتُ فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا، فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِ فَوَافَقْتُهُ يَخْطُبُ، فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ سَأَلْنَا فَإِمَّا أَنَّ نَبْزُلَ لَهُ، وَإِمَّا أَنْ نُوَاسِيَهُ، وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنَّا أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّنْ سَأَلْنَا. قال: فَرَجَعْتُ فَمَا سَأَلْتُ أَحَدًا بَعْدَهُ شَيْئًا، فَجَاءَتِ الدُّنْيَا، فَمَا أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَكْثَرَ أَمْوَالًا مِنَّا».(صفة الصفوة، ابن الجوزي، ج1 ص279)

وتَصَدَّرَ أَبُو سَعِيدٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) مكانة علمية بين الصحابة بعد وفاة رسول الله ﷺ، وذلك مع حَدَاثَةِ سِنْهِ، فقد توفي النبي وهو في العشرين من عُمره تقريباً، ولكن كان كبار الصحابة يثقون في علمه وسعة فقهه. وكان ابن عباس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) إِذا سُئل عن فتواه القديمة قال: «إِنَّ ذَلِكَ كَانَ عَنْ رَأْيِي، وَهَذَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الصِرْفِ، فَتَرَكْتُ رَأَبِي إِلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ ﷺ).(أخرجه ابن ماجة، برقم: 2258)

وبعد حياة طويلة عاشها أبو سعيد الخدري (رضي الله عنه)عابداً وعالماً ومجاهداً، توفي (رضي الله عنه) يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وقد اختلفت الأقوال في سنة موته، فقد قيل سنة أربع وستين، وقيل: سنة أربع وسبعين، وعمره (80) سنة، ودفن في البقيع. (تهذيب التهذيب، ابن حجر، ج3 ص417)

المراجع:

السيرة النبوية “عرض وقائع وتحليل أحداث، د. علي محمد  الصلابي، دار المعرفة بيروت، ط12، 1433هـ – 2011م.
جمهرة أنساب العرب، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار المعارف – مصر.
الإصابة في تمييز الصحابة، للإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار احياء التراث بيروت.
المعجم الكبير، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني.
المستدرك  على الصحيحين، للإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، دار الكتب العلمية – بيروت، ط1، ١٤١١ه –  ١٩٩٠م.
صفة الصفوة، للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، تحقيق: أحمد بن علي، دار الحديث – القاهرة،
تهذيب التهذيب، للإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الفكر بيروت.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى