عاممقالاتمقالات الرأي

 المتقابلات في السياسة …عندما يُختزل الوطن بين خيارين.

المتقابلات في السياسة …عندما يُختزل الوطن بين خيارين.

الشيخ د. سالم الشيخي

في المشهد السياسي الليبي، بات من المعتاد أن يُقابل كلّ موقف سياسي بموقف نقيض يُلصق بصاحبه دون تمحيص، كأنّ الساحة لا تتسع إلّا لثنائيّة قاتلة: إمّا معنا أو ضدّنا، إمّا مع ادبيبة أو مع حفتر. هذا الفهم الضيق، الذي يمكن وصفه بـ”العقيم”، يُفرغ النقاش السياسي من مضمونه، ويحوّله إلى لعبة اتهامات قائمة على منطق التقابل، لا على منطق المصلحة الوطنيّة.
فإذا طالبت برحيل حكومة أسرة ادبيبة، وُصفت بأنّك مؤيّد لمنظومة أسرة حفتر، وإن انتقدت فساد الحكومة في الغرب، صُنّفت تلقائيًّا ضمن “معسكر الشرق” بل حتى إذا دعوت إلى أن تكون المظاهرات ضدّ حكومة ادبيبة سلميّة ومنضبطة، وأن تُمنع إذا تسللت إليها عناصر الفوضى والتخريب، سارع البعض لاتهامك بأنّك تدافع عن الحكومة وتتماهى مع خطابها.
قد يكون هذا التبسيط مقبولًا – إلى حدّ ما – حين يصدر عن مواطن بسيط، يفتقر إلى التكوين السياسي والقدرة على التمييز بين المواقف، لكن أن يصدر هذا الخطاب من نخب سياسيّة تدّعي الإصلاح والحرص على مستقبل البلد، فهنا تكمن الكارثة.
المزعج في هذه الثنائيّة أنّها لا تترك مجالًا للنقاش الموضوعي، ولا تعترف بوجود منطقة وسطى يمكن أن يُعبّر فيها عن موقف نقدي متوازن. إنّها طريقة في التفكير تُعطّل أيّ محاولة لبناء خطاب وطنيّ جامع.
السياسة ليست أحاديّة الاتجاه، ولا يجب أن تكون حلبة لاستدعاء الأعداء المفترضين كلّما اختلفنا في الرأي. من حق المواطن أن يرفض، أن ينتقد، أن يتحفظ، دون أن يُجرَّ قسرًا إلى معسكر لا ينتمي إليه، وبين الأبيض والأسود، هناك طيف واسع من الرمادي، يُفترض أن يكون ساحة للنقاش، لا ميدانًا للتخوين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى