
الشيخ د. سالم الشيخي
إنّ القضايا الفقهيّة في أصلها قضايا علميّة محضة، تُبنى على أصول الاجتهاد، وقواعد الاستنباط، وأدب الخلاف، وهي ميادين يُفترض أن تبقى نقيّة من أي ّمؤثرات خارجيّة، حتى تكون مرجعًا لبناء وعي الأمة وضبط حياتها بضوابط الشرع. غير أنّ ما نراه اليوم في واقعنا الليبي يُنذر بخطر عظيم؛ إذ لم تسلم هذه القضايا من تأثير المناخ العام الذي تعيشه بلادنا، من توترات سياسية، وصراعات فكريّة، وتجاذبات حادّة في كل شأن من شؤون الحياة.
كم كنت أتمنّى أن تُطرح المسائل الفقهيّة في أجواء يسودها أدب الخلاف، وحسن التعاطي مع الاجتهادات، والتجرّد في البحث عن الحق، بعيدًا عن مناخ المناكفات السياسيّة التي فرّغت الحوار من قيمته، وأفقدت النقاش العلمي هيبته، وأورثت الأمة تشرذمًا وانقسامًا لا طائل منهما.
إنّ ما أصاب المناخ الفقهي والعلمي اليوم من تسييسٍ وتوظيفٍ في غير موضعه، هو بحق مصاب جلل، لا بد من تداركه بإحياء روح البحث العلمي، وتعزيز أدب الاختلاف، وتأكيد أنّ القضايا الفقهيّة ليست ميدانًا للمكايدات، بل سبيلًا لنهضة الأمّة، ورشدها، واستعادة قوتها الفكريّة والحضاريّة.