دروس تربوية من القرآن الكريم – 6
فرج كندي
الدرس السادس
لابد للمسلمين من العودة إلى الأصول إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليفهموا حقيقة معنى لا إله إلا الله، التي هي ركن الإسلام الأول وبابه الأكبر، وفيهما القول الفصل.
ولو تصوّرنا أن جماعة من الناس يتفكرون ويتدبرون ويتضرعون وهم جالسون في أماكنهم لا يحولون الضراعة والتفكر والتدبر إلى عمل مشهود. هل يكفي أن يقوم الأمر على هذا النحو بالقلب واللسان؛ ليخرج الأعداء من الأرض الإسلامية التي احتلوها واستولوا على مقدراتها واستعبدوا شعوبها؟ هل يخرج اليهود من فلسطين إذا أقمنا حلقة ذكر نذكر فيها الله سبحانه وتعالى؟ هل يتم هذا على أرض الواقع؟ هل يتم ما كلفت به هذه الأمة من الشهادة على كل البشرية؟ {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا} البقرة. تتم الشهادة بواقع مشهود … يارب! قد دعوناهم وبلغنا رسالتك وأريناهم كيف يطبق هذا الدين في واقع الأمر، ولكنهم أبوا وأعرضوا عنه، فهم بين يديك إن شئت رحمتهم برحمتك وفضلك وعدلك، وإن شئت عذبتهم سبحانك لا إله إلا أنت وهم خلقك.
ولكن لو جاءت الأمة الإسلامية إلى لقاء ربها بلا عمل، هل تستطيع أن تشهد على الآخرين؟ وبأي شيء تشهد؟ أتقول يارب كلفتنا فلم نقم بالتكليف … أمرتنا بالعمل فلم نعمل، واكتفينا بما في قلوبنا وبما يجري على ألسنتنا؟ هل تصلح هذه الشهادة يوم القيامة؟ وهل يصلح للشهادة في يوم القيامة إلا من شهد وعمل في الحياة الدنيا؟؟!
كيف تكون الشهادة في الحياة الدنيا؟ تكون بإعطاء المثل … كما فعل الجيل الأول، رضوان الله عليهم، ومن قبل أعطى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، النموذج والقدوة.
سئلت عائشة، رضي الله عنها، عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن؛ هكذا في عبارة وجيزة بليغة اختصرت خلقه صلى الله عليه وسلم.
لقد أجرى الله أمر هذا الدين بسنته الجارية ليكون للأجيال كلها عبرة وعظة .. فنشر الجيل الأول الإسلام في أقل من خمسين عاما، فامتد الإسلام في صورة بشرية حية صاروا هم قرآنا يتحرك على الأرض، وممثلين لسنة رسول الله فانتشر الإسلام في الأرض حبا لهذا الدين، من خلال النماذج التي أخرجها هذا الدين، بواسطة التربية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليست المعجزة فتح الأرض الواسعة لدين الله، إنما يكمن السر في التطبيق العملي لهذا الدين وهو الترجمة الحقيقية للذكر والفكر والضراعة إلى واقع عملي ملموس محسوس في واقع الحياة على الأرض.
هذا هو الذي نشر الدين في تلك البقاع الشاسعة مترامية الأطراف في فترة زمانية وجيزة – أقل من نصف قرن – ولم تكن خارقة، بل تجري على السنة الكونية، أي يمكن أن تتحقق إذا تحققت الأحوال نفسها في الأمة على النحو الذي سارت عليه حركة الأمة في أول عهدها.