جمعية الإحياء والتجديد…. آفاق جديدة في رحاب الدعوة
فرحات الهوني
نجد حرجًا شديدًا في معتقداتنا الفكرية من أي فكرة تنادي بالتغيير والتحول، وهذا نتيجة الموروث الفكري الذي يمثل ما يسمى سياسيًا بالتيار (الراديكالي) وهو التشبث بالأصول والمسميات دون النظر إلى مدلولات التحول والتجديد، وهو أشبه بسلفية الاحتواء أي الانكفاء على الماضي ومصطلحاته ووسائله، أو كما قال الدكتور حذيفة عكاشة: ” كثيراً ما تضيع البوصلة عندنا، فنخلط بين الوسائل والمقاصد”، وهذا المفهوم خاطئ للتحول أو التغيير لا يكون في المحكمات من القيم والأهداف ولكن تجديد الخطاب والمصطلحات والوسائل بما يتناسب مع متطلبات الواقع.
وقد يظن البعض أن التحول والتغيير له علاقة بمنسوب الإيمان والثبات على المبادئ والقيم وهذا شرود عن الفهم الصحيح لمفهوم الثوابت والمتغيرات وقد صححه العلامة يوسف القرضاوي حيث قال: “نستطيع أن نحدد مجال الثبات ومجال المرونة في الشريعة الإسلامية ورسالته الشاملة الخالدة فنقول: إنه الثبات على الأهداف والغايات والمرونة في الوسائل والأساليب، الثبات على الأصول والكليات والمرونة في الفروع والجزئيات، والثبات على القيم الدينية والأخلاقية والمرونة في الشؤون الدنيوية والعلمية”.
ويقول الشيخ عباس شريفة: “ليس الإسلام مذهباً حداثياً يقول بنسبية الأفكار والقيم، إنما هو منهج رباني يجمع بين الثابت والمرونة، وبين الخاص والعام، وبين المطلق والمقيد، فيحقق بذلك الاستجابة لمتغيرات الزمن، والوقوف على أرض صلبة من اليقين”.
هذا بالنسبة إلى الإسلام وهو المنزل من عند رب السماوات والأرض كيف بالاجتهادات البشرية، فإن أي فكرة لابد أن يكون لها ثغرات وجوانب قصور ولكن ما يصلح لزمانها يومًا لا يصلح للأزمنة التالية لأنه كما يقول الدكتور محمد مختار الشنقيطي: “لأنه ينتمي إلى طور النشوء، لا إلى طور الاستمرار، ولكل عصر رجاله وأشكاله”.
فالتغيير والتحول ليس بدعًا من المنظمات والهيئات والمؤسسات والجماعات عبر التاريخ، ففي المسار التاريخي نجد الكثير من هذه التجمعات قد قامت بمراجعات وتغييرات وتحولات بما يناسب واقعها وقد نجحت في الخروج من أزماتها وصار لديها شهرة بعد فترة، وتحسين صورة ذهنية بعد تشويهها، وعودة ثقة في إمكانياتها بعد حجبها.
وهذا ما يجعل المصلحين دائمًا يبحثون عن هذه الثغرات وهذا القصور للتجديد وإخراج فكرتهم في طور جديد.
يقول الدكتور جمال سلطان في مقاله النقد الخالد: “إننا حين ننظر للنقد في القرآن نجده شاملاً للبشر…للمسلم والكافر، وللصالح والطالح …ونجده شاملاً للزمان، ينتقد ما هو قائم، ويحذر مما سيكون”.
ويقول الدكتور محمد عمارة: “في فكرنا الإسلامي المعاصر” فقر في الإبداع ..وإفراط في التقليد…تقليد التخلف الموروث والتغريب الوافد من وراء الحدود، وفي العالم من حولنا متغيرات تزلزل الواقع وتراجع مسلمات الفكر إلى حكمته عشرات السنين، وحتى لا نظل أسرى لتخلفنا الموروث وضحايا لأزمات الآخرين فلا بد من إعمال العقل المسلم في ميدان الإحياء والتجديد”.
وهنا نذكر بما قاله الكاتب لوروانس أي هاريزون في كتابه الثقافات وقيم التقدم حول التغيير والتحول حيث يقول: “فالتحول يراد به الانتقال إلى تيار يعبر عن مسار المجتمع مستخلصاً الخبرة والعبرة من رؤية عقلانية نقدية عن الماضي والحاضر واستشراف لمستقبل، وإنما هو مجمل زخم الحراك الاجتماعي والنشاط الإنتاجي ومعاناة البناء والتطور الإداري…في صياغة نسقية هادفة معنية بتحليل لقضايا، وحل لمشكلات، وحفز لحراك، ودعم لعلاقات قائمة أو منشودة …..وتحقيق لتكيف على صعيد اجتماعي متكامل، وفي إطار من المنافسة أو الملائمة على صعيد إقليمي وعالمي…ومن ثم يجسد حركة متطورة في الزمان وسجلاً للجديد من الأحداث وحيوية التنوع والتعدد في سياق التبادل والتفاعل والإبداع”….(بتصرف).
وهذا الإحداث في التغيير ليس نتيجة فشل كما يظن البعض، ولكن يكون نتيجة تطور في الأداء وقراءة صحيحة للواقع وقد ذكر الدكتور عبد الكريم بكار في كتابه عصرنا والعيش في زمانه الصعب حيث قال: “إن المؤسسات الناجحة في زماننا تتسم بأنها تملك نظمًا قابلة للمراجعة والتجديد والتعديل، على حين يفلح الذين يعيشون خارج عصرهم في نقد غيرهم”.
ويقول في كتابه التنمية المتكاملة: “إن العالم من حولنا يتغير، فتصبح الأهداف القريبة بعيدة، والبعيدة قريبة، وكذلك طموحاتنا والمثيرات والإمكانات والخصومات، وهذا يعني أن التي نكونها عن محيطنا الأدنى والأقصى يجب أن تكون تطوّرية قابلة للمراجعة والإضافة، وإلا تفلت الواقع من أيدينا وصرنا إلى العماء والرؤية العشماء”.
إننا نعيش في عالم المتغيرات السريعة الشبيه بالانفجارات والمليئة بالمفاجأة، وإذا لم تكن عندنا قابلية الإحياء والتجديد والخروج بطور جديد في الخطاب والوسائل سوف نجد أنفسنا نغرد خارج الواقع ويكون صوتنا نشازًا لا نحسن العزف إلا على أوتار الماضي، وربما تأكلنا آفات الزمان في كهف الغفلة بدون أن نتقلب لأحداث التغيير والذي هو ظاهرة صحية.
يقول الدكتور عبد الكريم بكار في كتابه عصرنا والعيش في زمانه صعب: “بعض الذين خارج العصر، مكبلون بأوهام (المثالية)، فهم يظنون أن ما يجري في الواقع قريب مما هو مستقر في الذهن من قيم ومثل”.
ويقول أيضًا في المصدر نفسه: “مشكلة الوعي هذه الأيام أن الواقع يتغير على نحو أعقد وأسرع من قدرته على استيعابه”.
فالتغير والتحول حل للأزمات التي قد تؤدي إلى أزمات أو منخنقات أشد وأعقد منها، ومن هنا كانت الانطلاقة في تطوير الوسائل ومنظومة الاتصال المجتمعي، والحديث بلسان يفهمه أهل زماننا لكي لا يكون الحديث بلسان الماضي فتنة إذا لم تستوعبه عقول من نحدثهم، وكما ذكر الدكتور طارق السويدان “ترتيب الأزمات والأخطار التي تعيشها الأمة يساعدنا على البدء في وضع حلول لتجاوزها”.
ومن هنا وبهذا الفهم الدقيق للإسلام وقراءة عميقة تعتقد جمعية الإحياء والتجديد أنه قد آن أوان الانتقال إلى دور البناء والإصلاح ومطالبه، وذلك من أجل قيام مجتمع مدني تتمثل فيه القيم الإسلامية، ويسوده العدل والمساواة، وتُحترم فيه كرامة وحقوق الإنسان، يتعاون فيه أبناء المجتمع لخدمة الوطن والنهوض به لآفاق الرقي والتقدم وضرورة بلورة رؤية تجديدية تستجيب لمتطلبات الواقع، واضعة نصب عينيها خصوصية المجتمع الليبي وحاجاته؛ ليستقر رأيها على ضرورة الاجتهاد والتجديد، في إطار أصالة مشروعها الإصلاحي؛ لتعلن عن نفسها بوضوح وجلاء، بعيدا عن جدل الأسماء، والتباس الشعارات، وفساد التّفسيرات، واختلاط التأويلات، خدمة لدعوة الله، وترجيحاً لمصلحة الوطن، وذلك بالتحول إلى دور مؤسسة حضارية، تُعنى بهموم الإصلاح والنهضة، من خال الإسهام في البناء الاجتماعي للوطن، الذي هو سر النهضة ومقوم الحضارة، اختارت لها اسم “الإحياء والتجديد”: “إحياءٌ”، و”تجديد” يستلهم أصول وثوابت الإسلام مستفيدا من كل حكمة راجحة؛ لضمان فهم عميق للواقع، واستشراف بصير للمستقبل.
وجمعية “الإحياء والتجديد” تعتقد أن الفهم الصحيح للإسلام هو ركيزة العمل المخلص، وشاهد الاستقامة، وركيزة الثبات في دروب الإصلاح ومعارج النهضة؛ لبلوغ مرضاة الله والدار الآخرة.
انطلاقة جمعية الإحياء والتجديد كجمعية ليبية منذ إشهارها تعنى بتكوين الإنسان فكريا وثقافيا واجتماعيا وإيمانيا وأخلاقيا وبدنيا، وتسهم مع غيرها في الارتقاء بالمجتمع ونشر الخير فيه بالوسائل المشروعة وتسهم مع غيرها في الارتقاء بالمجتمع ونشر الخير فيه بالوسائل المشروعة.
وقد جاء في ميثاق الجمعية: “إن جمعية “الإحياء والتجديد” هي ثمرة جهود مضنية، وتضحيات غالية، بذلها الدّعاة والعاملون لأكثر من خمسة عقود من الزّمن، منفتحة على كافة فئات المجتمع، تتطلع إلى الإسهام مع أبناء الوطن في معركة الوعي والإصلاح والبعث الحضاري. ولتتضح مبادئ الجمعية ومنطلقاتها، ولتستبين أهدافها ومجالات عملها والقضايا الحيوية التي تشغلها؛ ترسيخا لمنهج الوسطية والاعتدال في الدعوة إلى لله، واستعدادا للعروج في مراقي النهضة والعمران، تعاقد أعضاء الجمعية على ميثاق جامع يضمن وحدة الفهم وسلامة السير، وتحقيق الأهداف. مستَمد من كتاب الله وسنة رسوله، الذي هو ميثاقُ كل مسلم ومسلمة.
أولا: المنطلقات والمبادئ
وقد اتخذت الجمعية عدة منطلقات ومبادئ لتكون نبراساً لسيرها الدعوي وآفاق لكل المخلصين للعاملين في مجال الدعوة إلى الله آحادًا وجماعات، تلخص هذه المنطلقات والمبادئ في النقاط الآتية:
-1 ابتغاء رضوان الله والدار الآخرة
-2 القرآن الكريم والسنّة النّبويّة الصّحيحة مرجعيّتنا في الإصلاح والتّغيير والبناء.
-3 الأخوة في الله هي الركيزة الأولى في بناء المجتمع المسلم.
-4 واجب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر
-5 التراث ذخيرة حضارة ومصدر إلهام
-6 الحريّة إن الحرية هبة الخالق جعلها سبباً للحياة الحقيقية للأفراد والأمم، وسنّة باقية لنهضة المجتمعات، واستمرار الحضارات.
-7 مبدأ الشّورى إنّ الشّورى شراكة ملزمة للتدبير في شؤون الحياة كلّها، فهي الأساس المتين الّذي يعتمد عليها المجتمع في نظامه السّياسيّ والاجتماعي
-8 الالتزام برسالة المؤسسة والانضباط في تنفيذها
-9 التدرج، ومراعاة الأولويات، وفقه الواقع
-10 الوسطية في الدعوة، والبعد عن مواطن الغلو والتشدد
-11 نرفض إطلاق أحكام التّكفير على مَنْ أقرّ بالشّهادتين
-12 نبذ التّعصب ورفض الإقصاء
-13 الشراكة والتعاون مع المؤسسات والهيئات والأفراد
-14 التعارف الحضاري بين الشعوب
ثانياً: الأهداف
تسعى جمعية “الإحياء والتجديد” لتأكيد الهُويّة الإسلاميّة للمجتمع اللّيبيّ، والإسهام في العمران الحضاريّ في أرجاء الوطن كلّه؛ وذلك من خلال تحقيق جملة من الأهداف:
-1 الإسهام في بناء الإنسان وصلاحه
-2 الإسهام في سمو الأسرة ورسوخها
-3 الإسهام في إصلاح المجتمع وعمارته
-4 الإسهام في إصلاح الدولة ونهضتها
ثالثا: مجالات عمل الجمعية
إنّ الإنسان هو محور التغيير في مناحي حركة الحياة كلّها، وتعدّ أبعاد شخصيّته وفاعليتها؛ هي الأساس في حركة البناء والنهضة.
ومن أجل ذلك، فإنّ عمل جمعية “الإحياء والتجديد” سيكون في المجالات الّتي محورها الإنسان، ومن أمثلتها:
1- المجال الثقافي
2- المجال الخيري
3- مجال دعم الأسرة
4- المجال السياسي
رابعا: القضايا الحيوية للجمعية
هناك جملة قضايا حيوية ومهمة لجمعية لترسيخها كثقافة والعمل عليها وتكون فيه النموذج الحضاري منها:
1- المأسسة كنهج حضاري الّذي تسعى لتحقيقه في الواقع يجب أن يتمثل واقعًا حيًّا في كيان المؤسسة
2- التربية الشاملة للروح والجسد والعقل ليكون إنسانا صالحا وليس مواطنا صالحا فحسب
3- تفعيل دور المرأة الرائد في جميع المجالات
4- الرقي بالفنون كرسالة حضارية وأداة للتعبير عن الجمال والإبداع
5- نبذ العنف والغلو بكل أشكاله ومن مصادره
6- احترام المكونات الثقافية وتنوعها ويعتبر من التكامل المجتمعي
7- الانحياز للقضايا الوطنية العربية والإسلامية والإنسانية العادلة
وفي الختام نسأل الله أن يجعل برامج هذه الجمعية مرشدا للعاملين في متابعة العمل في طريق الدعوة إلى الله وإعلاء كلمته، وإكمال المسيرة لبناء الوطن ونهضته، وأن يكتب ذلك في ميزان حسناتنا، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، إلاَّ من أتى الله بقلبٍ سليم.
والحمد للّه رب العالمين.