لن يتركوك في رمضان فهل أنت مستسلم؟!
لن يتركوك في رمضان فهل أنت مستسلم؟!
د. أكرم كساب
لا ينتهي رمضان إلا ويبدأ أبالسة البشر في الإعداد لرمضان الذي بعده، وإعداد هؤلاء لا ينفك عن برامج هدامة، ومسلسلات أقل ما يقال عنها: إنها لا تمثل واقع الأمة، وإن شئت فقل: إن في بعضها: إسفاف وبذاءة، وسفور وفجور، وفي البعض الآخر: تزييف للتاريخ، وقلب للحقائق، وطمس للهوية، وإفساد للبشر!
وهنا تتبادر إلى الذهن عدة أسئلة.
لماذا هذا العداء لرمضان؟
لماذا هذه الجرأة على حرمة الشهر؟
لماذا كل هذه الأموال؛ والشعوب متخلفة جائعة عارية، بلا دواء ولا كساء ولا مأوى ولا غطاء؟!
لماذا لا يتركون الناس للمآذن والمقارئ والمحاريب والمساجد؟
لماذا يحارب الدعاة والعلماء والمخلصون حتى في هذا الشهر؟!
لماذا لا يتركون الناس يعبدون ربهم كما يريد ربهم؟
ألم يكفهم من العام 11 شهرا حتى ينفقوا هذه المليارات لإظهار الشعوب بأنها (بلطجية وشبيحة) أو مدمنو مخدرات وأرباب (سوابق)؟
حتى التاريخ الجميل لم يتركوه، فلا يظهرون إماما ولا علما من أعلام الأمة إلا بصورة العاشق الولهان، أو الباحث عن الشهرة والمال.
العجيب أن (آلاعيب) هؤلاء الناس تزداد عاما بعد عام، وفي كل عام تظهر شخصية جديدة؛ في عالم الإخراج، وأخرى في عالم الإنتاج، وثالثة في عالم التمثيل، هذا يقدم زوجته، وآخر يدفع بابنه، وثالث يراهن على أخته أو ابنته، وكأنها حرب ضروس تقودها أسر وعائلات، وإن شئت إنها (مافيا) الفن، أو العفن الفني الذي يروج للغرائز، ويدعو للشهوات، ويؤجج الفتن.
لقد أصبح شعار القوم: والله لن نترك لكم رمضان….
نعم والله كأن هذا شعارهم، وهو شعار ترفعه دول ومؤسسات، وأفراد وعائلات، ونجوم و(نجمات)، أسأل الله للجميع الصلاح والهدايات.
وبعيدا عن هذا كله فلا بد أن ندرك أن رمضان لن يتركه أعداء الأمة -الصرحاء أو البلهاء من السذج الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا- لن يتركوه للأمة أبدا، والسر في ذلك أن معركة شرسة يقودها أبالسة الجن مستخدمين أبالسة البشر، روى أحمد عَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ: أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ، وَدِينَ آبَائِكَ، وَآبَاءِ أَبِيكَ؟ ” قَالَ: ” فَعَصَاهُ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ، وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ ” قَالَ: «فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ» قَالَ: ” ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: هُوَ جَهْدُ النَّفْسِ، وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، وَيُقَسَّمُ الْمَالُ ” قَالَ: «فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَمَاتَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّةٌ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ» (قال محققو المسند: إسناده قوي).
ويبدو أن هؤلاء أدركوا أن الله خصّ هذا الشهر بما لم يخص غيره من الشهور، ففيه من الخيرات الإلهية والعبادات الربانية التي تحتاجها الأمة لتصحح خطئها، وتقوّم اعوجاجها، وتعدل بوصلتها فيما انحرفت فيه عن كتاب الله تعالى.
إن رمضان كان -وما زال وسيزال- بما فيه من طاقة- سببا في هداية الحيارى، وتوبة العصاة، ورجوع المذنبين، ولما لا؟! وهو شهر القرآن؛ كم من النفوس اهتدت، وكم من البلاد فتحت فيه.
وكم من المعارك التي انتصر فيها المسلمون كانت فيه، ومنها على سبيل المثال: غزوة بدر 2 هـ، وفتح مكة سنة 8 هـ، ومعركة القادسية 15هـ، وفتح بلاد الأندلس رمضان 92هـ، ومعركة بلاط الشهداء عام 114هـ، وفتح عمورية 223هـ، ومعركة الزلاقة 479هـ، وعين جالوت رمضان 658 هـ، ومعركة شقحب رمضان سنة 702 هـ…
إن أبالسة اليوم يذكروننا بما فعله أبالسة الأمس، ففي الأمس لم يتركوا النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن، وإذا قرأ تواصوا بعدم السماع، بل وإحداث ما يصرف الناس عن القرآن ونبي القرآن يقول الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [فصلت: 26، 27].
إذن هي معركة قديمة جديدة، قديمة حيث رفع لواءها أبو جهل وأبو لهب وابن سلول، وجديدة يرفع لواءها كل من يحارب كلام الله ويعادي شرع الله، وهي في النهاية معركة الله تعالى ينصر فيها حزبه، وقد قال سبحانه: {أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].
نعم أهل القرآن هم الغالبون، حتى وإن كانوا الأقل عدة، والأضعف جندا، ولقد انتصر فيها ابن مسعود وهو الضعيف يوم أن خرج على أهل مكة ليجهر بالقرآن أول مرة (فَقَامُوا إلَيْهِ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ فِي وَجْهِهِ، وَجَعَلَ يَقْرَأُ حَتَّى بَلَغَ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنَّ يَبْلُغَ. ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى أَصْحَابِهِ وَقَدْ أَثَّرُوا فِي وَجْهِهِ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا الَّذِي خَشِينَا عَلَيْكَ، فَقَالَ: مَا كَانَ أَعْدَاءُ اللَّهِ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْهُمْ الْآنَ، وَلَئِنْ شِئْتُمْ لَأُغَادِيَنَّهُمْ بِمِثْلِهَا غَدًا، قَالُوا: لَا، حَسْبُكَ، قَدْ أَسْمَعْتَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ). ( سيرة ابن هشام (1/ 315).
وأخيرا فيا أيها الصائم ويا أيتها الصائمة الزموا القرآن وأهله، وكونوا من حزب ابن مسعود وصحبه، ولا تضعفوا ولا تجبنوا، ولا تروجوا لأهل الباطل فتصبحوا من جند أبي جهل وأنتم لا تشعرون..