التدبر القرآني وأثره في التربية(8)
التدبر القرآني وأثره في التربية(8)
أ. محمد العوامي
▪️أنواع النفس في القرآن الكريم وأثرها في التربية
يُعدُّ التدبر القرآني أحد الأسس الأساسية في التربية الإسلامية، حيث يتضمن القرآن الكريم توجيهات وتعاليم تهدف إلى تنمية وتهذيب النفس البشرية، يعكف القرآن على طرح مفاهيم عميقة حول أنواع النفس البشرية وطبيعتها، مما يسهم في تأسيس أسس قوية للتربية الروحية والأخلاقية.
النفس البشرية تُعَدُّ من أبرز الجوانب التي تتحكم في تصرفات الإنسان وتوجهه ومشاعره، وقد رسم القرآن الكريم منحىً مهمًا لفهم أنواع النفس ومظاهرها المختلفة، فضلًا عن كيفية تربيتها وتنميتها للوصول إلى أعلى مستويات الإيمان والأخلاق.
تعتبر النفس البشرية مفهومًا مهمًا في الإنسان، حيث تؤثر في تصرفاته ومشاعره، ويُعتبر القرآن الكريم مصدرًا مهمًا لفهم أنواع النفس البشرية وطرق تربيتها.
– يقول الشاعر:
○ والنفس راغبة إذا رغبتها.. وإذا ترد إلى قليل تقنع.
– وقد قال الإمام البوصيري رحمه الله:
○ والنفس كالطفل إن تُهْمِلْهُ شَبَّ على .. حُبّ الرضـــــاع وإن تَفْـِطْمه يَنْفَطِـــمِ
○ وجاهد النفس والشيطان واعصهـــما .. وإن هما مَحَّـــضَاكَ النـــصح فاتـَّـِهــمِ.
ذُكرت النفس في القرآن في مواضع مختلفة، وتميزت بثلاثة أصناف: النفس المطمئنة التي ترجع لله في كل الأوقات وتقبل قضائه، النفس اللوامة التي تترنح بين الخير والشر وتتوب عند ارتكاب الذنوب، والنفس الأمارة بالسوء التي تدفع صاحبها نحو المعاصي.
وفي هذا المقال، سنستعرض بعض الأنواع المذكورة في القرآن الكريم:
1. النفس المطمئنة:
هذه النفس تُعَدُّ من أروع أنواع النفس، حيث تعود بتوجهها إلى الله في كل أمورها وترضى بما يُكتب لها من الله، إنها النفس التي تتسم بالقناعة والسكينة والرضا، سواءً كانت الظروف إيجابية أم سلبية، ترى هذه النفس الحكمة والقدرة اللامتناهية لله في قضائه، وبالتالي تبقى مطمئنة ومرتاحة بغض النظر عن التحديات التي تواجهها.
والقرآن يعبر عن هذا النوع من النفس في قوله: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ¤ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ¤ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ¤ وَادْخُلِي جَنَّتِي} (الفجر: 27-30).
2. النفس اللوامة:
تمثل هذه النفس نوعًا آخر من التجربة الإنسانية، فهي تترنح بين الخير والشر، وتشعر بالندم والذنب عندما ترتكب أخطاء، تكون هذه النفس قادرة على التوبة والاستفادة من الأخطاء لتحقيق التطور والتحسن الشخصي.
قال تعالى: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} (القيامة: 2)، وهذه نفس طيبة لأنها تعود إلى الحق ولا تحمل فيها مادة الإصرار والتحدي.
3. النفس الأمارة بالسوء:
هذا النوع من النفس يميل إلى دفع صاحبه نحو الشهوات والمعاصي، وتعتبر هذه النفس من أخطر أنواع النفوس على الإنسان، حيث يجب على الفرد مكافحتها والسعي للسيطرة عليها، تحث هذه النفس على مخالطة المعاصي والانجرار وراء الشهوات، ولهذا يجب توجيه الجهود نحو الحد من تأثيرها السلبي، قال الله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} (يوسف: 53).
يجب أن يسعى الإنسان للحفاظ على نفسه من النفس الأمارة بالسوء من خلال الدعاء، الصلاة، قراءة القرآن، وتجنب الذنوب.
يمكن القول إن القرآن الكريم يحثنا على تربية النفس البشرية للارتقاء الروحي والأخلاقي.
ومن المهم أن نفهم أن تربية النفس البشرية ليست مهمة سهلة ولا تكون في لحظة واحدة، بل هي عملية مستمرة يجب أن نعمل عليها طوال حياتنا، قد نواجه تحديات وصعوبات في طريقنا، لكن من خلال الالتزام بالتوجيهات القرآنية والسنة النبوية ومعايشة قيم الإسلام، يمكننا تحقيق تنمية نفسية وروحية إيجابية.