بشائر النصر تتوالى
منذ أن انطلقت عملية طوفان الأقصى، وما أحدثته من خلخلة في صفوف العدو بفعل المفاجأة وتأثير الصدمة، وما تكبده المحتل من خسائر في المعدات والأرواح إضافة إلى من وقعوا في الأسر، وظن العدو أنه سيعيد تنظيم أموره، وسيستعيد مكانته وقوته بعد أيام قليلة، ولكن سير المعارك يؤكد العجز المستمر والضعف والخور البالغ الذي أصابه في معنوياته، رغم التأييد الدولي المادي والمعنوي، والتفوق الجوي الذي استعمله فقط في تدمير المباني الآهلة بالسكان المدنيين، محاولا إقناع العالم بأنه يحارب مواقع المقاومة، متهما إياها باستخدام المدنيين كدروع بشرية، وهو غير قادر على تقديم دليل أو شبه دليل على ذلك، وهذا واضح من تصريحاته الكثيرة والأخطاء التي يقع فيها؛ بدءا من قصة الأطفال مقطوعي الرؤوس، إلى آخرها قصة تحرير مجندة، محاولا استعادة ثقة بني جلدته في قيادتهم السياسية والعسكرية، وأصبحت تصريحاتهم ردود أفعال بناء على ما تصدره المقاومة من بيانات وحقائق.
في المقابل نجد أن الشعب الفلسطيني، رغم المعاناة والتقتيل والتشريد وقطع الماء والكهرباء؛ فإن هذا لم يضعف قوتهم النفسية ولم يخرجوا في مواجهة المقاومة، بل هم لها داعمون، تظهر على سيماهم علامات الصبر والاحتساب، رغم الألم والمعاناة التي لو وقع عُشرها على شعب آخر من شعوب الأرض، لفقدوا الاتزان ولخرجوا من بلادهم، وما حدث في أوكرانيا ليس عنا ببعيد، بل وجدنا مقاومة التهجير واضحة في نفوس الناس في غزة، وما زالوا يديرون أمورهم بكفاءة تفوق ما معهم من الإمكانيات القليلة التي لديهم، ورأينا ذلك جليا في حادثة استشهاد عائلة صحفي الجزيرة ودفنه لهم، واستمراره في تغطية الأخبار، كأن شيئا لم يكن، وذلك الطبيب الذي وجد أبناءه أمامه في المستشفى، وقد أحضِروا إلى المستشفى قتلى مضرجين بدمائهم، هذا الصبر والاستمرار في أداء الواجب والعمل يدل على تلك النفسية العظيمة التي أصابت العدو بحَيرة، وجعلته يضاعف الضربات محاولا كسر تلك الروح، والتغلب على تلك المقاومة الصامدة الرافضة للتهجير والتخلي عن الأرض والدار.
من جهة أخرى نلاحظ الاستبسال من جنود المقاومة وقدرتهم على دحر هجمات العدو البرية، بل وتدمير آلياتهم التي كلفتهم ملايين الدولارات بصواريخ بسيطة محلية الصنع، كما أن عدد من قتلوا من رجال المقاومة لا يذكر بالنسبة إلى عدد القتلى والأسرى من العدو، وإذا أخذنا في الاعتبار التفوق العددي والتقني للعدو؛ فإننا ندرك قيمة هذه النتائج، وعلامات النصر فيها، وكيف لا ونحن نؤمن ونوقن بمعية الله لجنده ونصره لهم، ومن كان الله معهم فلن يغلبهم أحد.
إن المتابع لتفاعل جمهور المسلمين في جميع أنحاء العالم، بل تفاعل عموم الناس، مع ما يجري والتظاهر المستمر والمطالبات المتتابعة لإيقاف الحرب وفتح المعابر وتقديم الدعم اللازم لأبناء الشعب الفلسطيني في غزة، ليدل دلالة واضحة على صدق القضية، وبيان حق الشعب الفلسطيني في العيش فوق أرضه حرا كريما، وأن يستعيد موطنه ويرجع إلى أرضه، بل ويحرر كل من أسرهم الاحتلال في سجونه. إن هذا التفاعل الجماهيري لابد أن يستمر، ويزداد يوما بعد يوم، وخاصة بعد ظهور الحقائق عما يحدث من تدمير وتقتيل وتشريد طال الأطفال والنساء، ولم يسلم من ذلك مستشفى ولا دار عبادة مسلمة أو مسيحية. إن صورة العدو قد ظهرت للعيان كالحة مظلمة، تحمل كل لعنات الثكلى والأرامل والأطفال والنساء، وانفضح أمام العالم جميعا مسلمه ومسيحيه وكل الملل والنحل، بل أمام عدد كبير من أبناء يهود، الذين أعلنوا بوضوح تبرؤهم من صهاينة إسرائيل، وتنديدهم لما يحدث في قطاع غزة.
لابد أن نوقن بأن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرا، وما النصر إلا صبر ساعة، ولابد أن نشارك أهلنا في فلسطين جهادهم بكل ما نملك من إمكانيات، ونقف معهم في محنتهم وقفة الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، ولابد أن تستمر وقفاتنا ومناداتنا لوقف الحرب وفتح المعابر لإيصال الدعم الذي يحتاج إليه أهلنا في غزة، بل والمناداة بقطع العلاقات مع كل الدول التي أعلنت دعمها للكيان المحتل، ومقاطعة كل الشركات والمؤسسات الداعمة لدولة الاحتلال، كما أن الاستمرار في تجميع المال وكل ما يمكن أن يساعد أهلنا في غزة وإرساله إليهم من خلال المؤسسات العاملة في هذا المجال.
وهنا رسالة نوجهها لحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، حيث نقدم لها الشكر على موقفها الشجاع والنبيل الذي أعلنته، سواء على لسان رئيسها أو خارجيتها أو مبعوثها في الأمم المتحدة، ونطالبها أيضا بإيصال رسالة قوية وواضحة لدولة إيطاليا، تنديدا بموقف رئيسها الذي أعلن دعمه للكيان الصهيوني، ومطالبته بتغيير موقفه، وإلا فإننا سنقوم بقطع العلاقات الدبلوماسية، وإيقاف ضخ الغاز إلى إيطاليا، فحاجة إخواننا في غزة إلى استعمال كل وسائل الضغط لإيقاف هذا العدوان، الذي لا يقبله عاقل ولا يرضى به إنسان على هذه الأرض، هذه الحاجة ضرورية لهم، ونحن يجب ألا نبخل أو نقصر في العمل عليها بكل الوسائل المتاحة، ولابد من التنسيق مع الدول الشقيقة والصديقة في كل أنحاء العالم، واتخاذ موقف موحد وقوي وفعال.
النصر قادم، والعدو منهزم مدحور بعون الله، ولنتذكر قوله تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اَ۬للَّهُ مَنْ يَّنصُرُهُۥۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌۖ * اِ۬لذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمْ فِے اِ۬لْأَرْضِ أَقَامُواْ اُ۬لصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ اُ۬لزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ اِ۬لْمُنكَرِۖ وَلِلهِ عَٰقِبَةُ اُ۬لْأُمُورِۖ)، فلنتوجه إلى مولانا، ولنعد إليه تائبين منيبين، ولنسأله النصر والتمكين (وَمَا اَ۬لنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اِ۬للَّهِ اِ۬لْعَزِيزِ اِ۬لْحَكِيمِ). اللهم بقوتك وضعفنا، وعزتك وذلنا لك، إلا نصرت إخواننا على العدو، وفتحت لهم من لدنك فتحا عظيما ونصرا مبينا.