النفوس بين الشرف والدناءة : رحلةٌ بين السموّ والانحطاط
أ.محمد العوامي
يُشكّل موضوع “النفوس بين الشرف والدناءة” حجر أساسٍ في فهم النفس البشرية ودوافعها، فمنذ فجر التاريخ، سعى الإنسانُ لفهم طبيعتهِ واكتشاف مكانهِ في هذا الكونِ الفسيح، وتُمثّلُ الآياتُ القرآنيةُ الكريمةُ، بما تحملهُ من حكمةٍ عميقةٍ، بوصلةً هاديةً في رحلتنا لفهمِ أنفسنا وتنقيةِ صفاتنا.
قال الله تعالى: {“قُلْ كُلٌّ يَعمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ”} [الإسراء: 84]
✔️ تُشيرُ هذه الآيةُ الكريمةُ إلى أنّ سلوكَ الإنسانِ ومواقفه تعكسُ طبيعتَهُ الداخليةَ، فالشخصُ الشريفُ يميلُ بطبعهِ إلى الخيرِ والسموّ، بينما يميلُ الشخصُ الدنيءُ إلى الرذائلِ والانحطاط.
وقال تعالى: “وَرَبَطنا عَلى قُلوبِهِم إِذْ قاموا فَقالوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرضِ” [الكهف: 14]:
✔️ تُبيّنُ هذه الآيةُ الكريمةُ مفهومَ “ربط القلبِ” و”الخذلانِ”. فربطُ القلبِ هو شدّهُ برباطِ التوفيقِ الإلهيّ، ممّا يُلهمُ صاحبهُ الخيرَ ويُثبّتهُ على طريقِ الحقّ، أمّا الخذلانُ فهو فكّ هذا الرباطِ، ممّا يُعرّضُ الإنسانَ للوقوعِ في المعاصي والضلال.
النفوس الشريفة:
* تسعى هذه النفوسُ دائمًا نحوَ أرقى المقاماتِ وأعلاها، فلا ترضى إلّا بالخيرِ والسموّ.
* تبتعدُ عن الدناءاتِ والرذائلِ، وتُقدّمُ الخيرَ للمجتمعِ.
* تتمتّعُ بصفاتٍ حميدةٍ مثل: الصدقِ والكرمِ والأمانةِ والتواضعِ.
* تُلهمُ الآخرينَ وتُحفّزُهم على فعلِ الخيرِ.
النفوس الدنيئة:
* تُشبَّهُ هذه النفوسُ بالذبابِ الذي ينجذبُ إلى كلّ ما هو دنيء وساقط.
* لا ترى جمالًا في شيءٍ، وتسعى فقط وراءَ شهواتها وملذّاتها العابرة.
* تتمتّعُ بصفاتٍ سيّئةٍ مثل: الكذبِ والظلمِ والحسدِ والغرورِ.
* تُفسدُ المجتمعَ وتُنشرُ الشرّ فيه.
دروسٌ مستفادة:
* تُؤكّدُ لنا هذه الآياتُ الكريمةُ أهمية تنميةِ صفاتنا وتزكيةِ نفوسنا.
* تُحفّزُنا على السعيِ الدؤوبِ نحوَ الرقيّ الأخلاقيّ والوصولِ إلى مكانةٍ ساميةٍ في الدنيا والآخرة.
* تُذكّرُنا بأنّ الإنسانَ مسؤولٌ عن سلوكهِ وأفعالهِ، وأنّهُ سيُحاسبُ عليها يومَ القيامةِ.
✔️ إنّ رحلةَ الإنسانِ نحوَ الكمالِ رحلةٌ طويلةٌ وشاقّةٌ، لكنّها تستحقُّ العناءَ. فبِتنميةِ صفاتنا وتزكيةِ نفوسنا، نُصبحُ نورًا يُضيءُ دروبَ الآخرينَ ونُسهمُ في بناءِ مجتمعٍ فاضلٍ.
*للاستزادة يرجع إلى كلام ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد: (ص: 178)