فتوى بطلان المعاهدات التي بين بعض الدول والكيان الصهيوني
بسم الله الرحمن الرحيم
في ظل العدوان الصهيوني على غزة واستهدافه للمدنيين الأبرياء في غزة والضفة، صغاراً وكبارا، رجالاً ونساء، في المدارس والمستشفيات والملاجئ وأماكن الإيواء، في إبادة جماعية -لا سابقة لها- يرد سؤال عن حكم اتفاقيات التطبيع الظاهر والمبطَّن التي أبرمتها بعض البلاد العربية والإسلامية مع الكيان الصهيوني، والتي بمقتضاها تنتهي حالة الحرب بين العدو الصهيوني وهذه البلاد، وتمكِّن هذه الاتفاقيات الصهاينةَ من دخول تلك البلدان بأمان، فما حكم هذه الاتفاقيات؟ وما حكم الصهاينة الداخلين بموجبها إلى بلاد العرب والمسلمين؟ وهل تصير بمقتضى هذا التطبيع دماء الأعداء وأموالهم معصومة وهم يفعلون ما يفعلون بإخواننا المسلمين في فلسطين؟!
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،
فيجب الوفاء بالعهد والعقد بين المسلمين وأعدائهم، ولا يجوز نقضه، وذلك مشروطٌ بشرطين:
الأول: أن يكون العهد أو الصلح موافقا لأحكام الشرع، مستوفياً لشروطه، وعلى رأسها أن يكون عقده مُراعىً فيه مصلحة المسلمين وحاجتهم لحماية بيضتهم ونصرة دين الله، لا مصلحةُ العدو والاستجابةُ لإملاءاته وإملاءات حلفائه من الكفرة.
كما أنه يشترط في المعاهدات مع العدو ألّا تكون مؤبَّدة وإنما تكون مؤقتة أو مطلقة عن المدة، في حين أن الاتفاقات التي أبرمت مع العدوّ في كامب ديفيد وما بعده، منصوصٌ على تأبيدها، وهذا بمفرده كاف للحكم ببطلانها.
وعليه؛ فإن كان العهد الذي أُعطي للعدو الصهيوني مؤبدا، أو لمصلحته لا لمصلحة المسلمين – كما هو الحال في معاهدات التطبيع- كان باطلاً ابتداء، ولا يحل لولي الأمر الإقدام عليه، فإن مصالحة وليِّ الأمر للأعداء بما لا يجوز مردودة، قال الإمام الشافعي في الأم: “وإذا صالح الإمام على ما لا يجوز، فالطاعة نقضه”. 4/203 وعندها يجب على المسلمين نبذ هذا العهد الباطلِ إلى العدوّ والتحللُّ منه، قال تعالى: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين}.
وإذا كان العهد دعت إليه حاجة المسلمين على نحو ما تقدم، فالشرط الثاني الذي يجب معه الوفاء بالعهد أن يلتزم العدوّ بما جاء فيه، ولا يصدر منه ما يُعدُّ ناقضاً له، فإن أتى بناقض كان المسلمون في حِلٍّ منه، ولا يحتاجون في هذه الحالة إلى إخبار العدو بنبذه والتحلّل منه، لأنّه بنقضه صار ناكثاً للعهد حربيًّا حلال الدم؛ لقول الله تعالى: {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم}.
وبناء على ما تقدم فإن الاتفاقات التي عُقدت بين بعض البلاد العربية مع العدو الصهيوني، ابتداء بكامب ديفيد، ومن بِعده أوسلو ووادي عربة، وانتهاءً باتفاقات الإمارات والبحرين والمغرب مع العدوّ، كلُّها اتفاقات باطلة شرعاً لا يجوز الوفاء بها؛ لأن المصلحة فيها كانت متمحضةً للعدو؛ وذلك لما تضمنته تلك المعاهدات من إقراره على احتلاله، ولا مصلحة فيها للمسلمين، ولا تدعو إليها حاجة ولا ضرورة.
ولو سلَّمنا – جدلاً – بوجود حاجة للمسلمين وضرورة تدعو إليها كما يزعم عاقدو تلك الاتفاقات؛ فإن هذه الاتفاقات لم تقف عند حدّ الضرورة المزعومة، بل تجاوزتها إلى إقامة علاقات دبلوماسية وسياسية، وإقامة تحالفات وعلاقات اجتماعية، وتهتك وميوعة مما لا يقرّه الشرع، ويبطله.
ومع بطلانها بما سبق، ومن هذا الوجه، وهو عدم وجود ضرورة داعية إليها على الحقيقة، فإنّ العدو لم يوفّ بها، بل دأب على نقضها بعدوانه المتكرر، فبعد كامب ديفيد قصف الصهاينة مفاعل العراق النووي، واعتدوا على لبنان واحتلوا أجزاء منه، وبعد اتفاق وادي عربة وأوسلو استمر عدوانهم بقتل الفلسطينيين في القدس والضفة، وهدم بيوتهم ومصادرة أملاكهم لإقامة المستوطنات عليها، وبعد الاتفاقات الأخيرة في الإمارات والمغرب والبحرين قام الصهاينة باقتحاماتٍ للمسجد الأقصى وتدنيسه والاعتداء على المصلّين فيه مرارا.
وها نحن نرى ما يفعلونه من إبادةٍ لأهل غزة على مدى ما يقرب من عام. وبنقض العدوّ العهد صار حربياً حلال الدم.
وعليه فإنه لا يجوز للمسلمين الوفاء للصهاينة بما عاهدوهم عليه في اتفاقياتهم معه؛ لأنّ الصهاينة قد نقضوه، فلا يترتب على مثل هذه المعاهدات أيّ أثر شرعيٍّ من آثار العهد والهدنة، والله تعالى أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الموقعون على الفتوى:
1. د. عبد الحي يوسف
2. د. نواف هايل تكروري
3. الشيخ الحسن بن علي الكتاني
4. الشيخ منير رقية
5. الشيخ أحمد نوفل
6. الشيخ أحمد مزيد عبد الحق – موريتانيا
7. الأستاذ المشارك وصفي عاشور أبو زيد
8. الشيخ برهان سعيد
9. الشيخ حسن سلمان
10. د. محمد خليل الرحمن – بنغلادش
11. د. محمد الصغير
12. محمد سعيد باه – أمين عام المنتدى الإسلامي للتنمية والتربية – السنغال
13. د. حاتم عبد العظيم
14. د. محمد همام سعيد