عاممقالات الرأي

فلنستبشر بانتصارات كبرى لصالح الحق.

بقلم: الدكتور/ جاسر عودة

قضت سنة الله تعالى في خلقه أنه كلما كان ابتلاء أهل الإيمان والحق كبيرًا والمصاب جللًا والثمن عاليًا كلما كان النصر كبيرًا وحاسمًا وتاريخيًا، فلنستبشر خيرًا رغم صعوبة المنعطف الذي تمر بها أمتنا في هذه الأيام، التي وددنا لو لم نشهدها في حياتنا، ولكننا نعلم يقينًا أن من قضوا شهداء فهم أحياء عند ربهم يرزقون، ومن جاهدوا وصبروا ولم تُكتب لهم الشهادة فقد فازوا بشرف الدنيا قبل ثواب الآخرة، ومن قصّروا أو تخاذلوا فلا يلومُنّ إلا أنفسهم. عفا الله عنا وجبر خواطرنا وألحقنا بالصالحين المجاهدين ولو لم نكن منهم.

ما أصعب هذه الأيام على كل مؤمن، أيام تضرب فيها الإمبراطورية العنصرية دون وازع ولا رادع، تضرب لتقتل -عن وعي وإدراك وتخطيط- مئات الألوف من أشرف وأنبل وأجمل وأفضل من ينتمي إلى أمتنا في أرض الرباط وما حولها، وتثخن فينا بيدين كلتاهما ملونة بدمائنا: يد البلاطجة المستأجرين في دولة الكيان، الذين يباشرون القتل بما يزودهم به أباطرة العصر من متفجرات وآليات وجنود ومعلومات، واليد الأخرى يد المنافقين من قادة حكومات وجيوش واقتصادات وتعليم وإعلام العالم الإسلامي، الذين يمارسون -عن وعي وإدراك وتخطيط- التركيع والتضليل والتخدير لأمتنا الجريحة، ويشوهون معالم دينها وشرعها، ويتعمدون إهانة مقدساتها، ويتاجرون مع الأعداء في دماء وأعراض وحريات شرفائها وعلمائها وروادها وأطهر شبابها، من أجل دنياهم الزائفة الزائلة، وهؤلاء بدونهم ما كانت اليد الأولى ولا الرأس المدبرة لتقترف ما اقترفت، فجريمة المنافقين أكبر ولذلك كانت عقوبتهم عند الله أشد: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا – النساء ١٤٥)، وعند الله تجتمع الخصوم.

ولكنّ الله تعالى بحكمته البالغة قضى أن يدفع ويدافع عن الذين آمنوا: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور – الحج ٣٨)، ومن دفاع الله تعالى عن الذين آمنوا إذنه لأهل القتال بالقتال لدفع الظلم: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير – الحج ٣٩)، وعلامة الظلم التي تستوجب الإذن بالقتال في كل عصر هي الإخراج من الديار: (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله – الحج ٤٠)، وهنا لابد من الوعي بأن ذلك القتال هو لخير البشرية جمعاء وليس لعودة أصحاب الديار إلى ديارهم فحسب: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا – الحج ٤٠)، وسنة التدافع المذكورة تتصل بسنة النصر وخلاصتها قوله تعالى بعد ذلك: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز – الحج ٤٠)، أي أن الذين ينصرون الله مخلصين صادقين -ونحسبهم كذلك- سينصرهم الله، حتمًا مقضيًا لا محالة ولا مناص، ولو بعد حين، ولذلك وعدهم الله بعدها -أو بالأحرى وعد الذين لم يستشهدوا منهم في الطريق- التمكين في الأرض، فقال: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور – الحج ٤١).

وأما الذين يكذبون بالدين عمومًا وبتلك البشريات السننية خصوصًا فقد قال تعالى عنهم بعدها مخاطبًا نبيه ﷺ: (وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود. وقوم إبراهيم وقوم لوط. وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير. فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد – الحج ٤٢-٤٥)، ولا يبعد على الله أن يهلك القرى الظالمة في عالمنا فتصبح خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد، فكم فعلها في الأمم والقرى لو اعتبر الناس وتبصروا، ولذلك قال تعالى بعدها: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور – الحج ٤٦).

فيا أهل الإيمان، لا تبتئسوا ولا تيأسوا ولا تشكوا في نصر الله، فالنصر قادم لا محالة، ونظرًا لفداحة الخطب وشدة الزلزال فقد قضى الله في سننه أن يكون نصرًا مؤزرًا عظيمًا تاريخيًا: (لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون. بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم – الروم ٤-٥). وهذا النصر المذكور في سورة الروم -بالمناسبة- لم يكن نصر الروم على الفرس فحسب، بل تزامن هذا النصر مع نصر المؤمنين في غزوة بدر، وقد سُئل أبو سعيد الخدريّ رضي الله عن هذه الآية فقال: التقينا مع محمد رسول الله ﷺ ومشركي العرب، والتقت الروم وفارس، فنصرنا الله على مشركي العرب، ونصر الله أهل الكتاب على المجوس، ففرحنا بنصر الله إيانا على المشركين، وفرحنا بنصر الله أهل الكتاب على المجوس، فذلك قوله: (ويومئذ يفرح المؤمنون. بنصر الله).

واستكمالًا لكلام أبي سعيد رضي الله عنه نقول: توالت الانتصارات فكان نصر المؤمنين في بدر بداية النصر الأكبر للإسلام بعد سنوات معدودة بما فيه النصر على الروم والفرس كليهما، فمنذ أن تحولت موازين القوى بالنصر على المشركين في معركة بدر الكبرى، ظلت دائرة النصر تتوسع إلى أن مكّن الله لأمة الإسلام في الدنيا، حضارة رائدة سادت الدنيا قرونًا، ويدخل هذا النصر الحضاري الأكبر والتمكين التام في المقصود من قوله تعالى بعدها: (وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون. يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون – الروم ٦-٧).

إذن، الأيام دول ودولة الإسلام قادمة لا محالة، شاء من شاء وأبى من أبى، والحمد لله رب العالمين.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى