في ذكرى الاستقلال
بسم الله الرحمن الرحيم
تمرّ بنا الذكرى الثالثة والسبعون لاستقلال ليبيا في العام 1951م، الذي جاء تتويجا لجهاد استمر قرابة أربعة عقود، منذ الاحتلال الإيطالي في 1911م، بذل خلالها الشعب الليبي الأموال والأنفس رخيصة في سبيل تحريره واستقلاله، انطلاقا من عقيدة دينية وقيم وطنية، لا تقبل الاحتلال بشتى صوره، ولا ترضى هيمنة الأجنبي الكافر على مقدرات الوطن.
لقد رسم لنا الآباء والأجداد الطريق للتحرير والنصر والاستقلال والبناء والتعمير، فكانت صورة رائعة ومثالا يُحْتذى وأنموذجا يمكن البناء عليه، فقد كان الجهاد بالسلاح والسياسة والعلاقات من أجل نيل الاستقلال، الذي مرّ عبر عقود من الزمان؛ فلم ييأسوا، واستمروا غير مبالين لقلة ذات اليد وضعف القوة المادية، ويكفي أنّ ثلة قليلة مؤمنة صابرة ترعرعت في المساجد وفي خلوات القرآن، قد دوخت العدو ثلاثة عقود كاملة، فلم يتمكن من الاستقرار، بل كان في مواجهة مستمرة، رغم الفارق في العدة والعتاد، لكن المجاهدين كانوا يملكون الإيمان العميق، والثقة الكاملة بتأييد الله ونصره، وكانوا ينتظرون إحدى الحسنيين؛ النصر أو الشهادة. وهو الذي نراه اليوم من المواجهة غير المتكافئة بين أبناء المقاومة والشعب الفلسطيني من جهة، والعدو الصهـيونـي من جهة أخرى. فما أشبه الليلة بالبارحة، وصدق الله العظيم إذ يقول سبحانه: ﴿قَالَ اَ۬لذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ اُ۬للَّهِ كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذْنِ اِ۬للَّهِۖ وَاللَّهُ مَعَ اَ۬لصَّٰبِرِينَۖ﴾، وكانت النتيجة: ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اِ۬للَّهِۖ﴾، ووعد الله حق ونصره لا شك آت، ﴿كَتَبَ اَ۬للَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِيَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞۖ﴾.
وكان الجهاد بالكلمة والمحاضرة والتعريف بقضية الوطن في كل المحافل، وكان تحشيد الجهود لإيجاد موقف من عدد كبير من الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فكان قرار الأمم المتحدة باستقلال ليبيا، ولم يكن ذلك بالأمر السهل، فالتدخل الأجنبي قائم وبقوة، فقد تمكَّن ممثلو ليبيا في الأمم المتحدة من إفشال مشروع بيفن – سفورزا، القاضي بأن تحصل ليبيا على استقلالها بعد عشر سنوات، على أن توضع أقاليم ليبيا الثلاثة خلال هذه الفترة تحت وصاية دولية مكونة من بريطانيا وإيطاليا وفرنسا، بحيث تتولى كل دولة إدارة إقليم، وفي العام نفسه استطاع الوفد الليبي النجاح في تمرير مشروع القرار المقدم من كل من الهند والعراق وباكستان والولايات المتحدة، الذي ينص على أن ليبيا يجب أن تصبح مستقلة، قبل 1 يناير 1952م. وفعلا أُعلن الاستقلال في الـ24 من ديسمبر 1951م.
لقد كان العامل الحاسم في نجاح استقلال ليبيا هو وحدة القيادة الوطنية، وتنازل بعضهم لبعض؛ حتى لا يتمكن المتربصون باستغلال الفرقة والنزاع، مدركين سنة الله الماضية في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْۖ وَاصْبِرُواْۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ مَعَ اَ۬لصَّٰبِرِينَۖ﴾، وبهذه النفسية الراقية والعقلية الواعية شرع الليبيون في بناء دولتهم، فكان الاتحاد الفيدرالي في البداية، وبعد ذلك في العام 1963م كانت الدولة الواحدة تحت اسم: “المملكة المتحدة”
في هذه الذكرى العطرة نحن في مسيس الحاجة إلى الاستفادة من تجربة أجدادنا، والتاريخ تتشابه أحداثه، فهناك كثير من الدول في المحيط الإقليمي والدولي تتربص بنا، وتستغل النزاع القائم بين الأطراف المختلفة في بلادنا، بل تعمل على إثارة النعرات الجهوية والقبلية والعرقية، وافتعال الصراعات بعلل متعددة، وصور شتى، ولابد أن ندرك ونعي حجم المؤامرة التي تدور حولنا، وتنازع المصالح الذي يضر بمصالحنا.
إننا شعب متجانس إلى حد كبير جدا يقلّ مثيله في العالم أجمع، يجمعنا دين واحد، ووطن واحد، وعادات تكاد تكون واحدة، وتاريخ حافل بالانتصارات، التي شارك فيها الشعب بكل أطيافه ومدنه وقبائله، ولا بد أن نعمل بيد واحدة، وأن نترك النزاع والشقاق جانبا، لأن ليبيا وبناءها أهم من كثير من القضايا التي نختلف حولها، ولنعلم أننا مسؤولون عن هذه المرحلة؛ أولا أمام البارئ سبحانه، وثانيا أمام الأجيال القادمة، فلنقم بواجبنا، ولنوحد جهودنا، ولنعمر بلادنا، ولندفع بها إلى الأمام؛ لتصبح في مصافّ الدول المتقدمة، فقد حبا الله بلدنا بجملة من الخيرات والإمكانات، التي تكفيها وزيادة، وهي قادرة بإذن الله على تحقيق أهدافها وطموحاتها.
في هذه المناسبة الكريمة تتقدّم جمعية الإحياء والتجديد إلى جميع أبناء الشعب الليبي في كل مكان بجميل التهنئة وعظيم التبريكات، ونبيل الأمنيات بأن يكون القادم أفضل، والأمل معقود على سواعد أبناء شعبنا الكريم، وكل عام وأنتم بألف خير، والحمد لله رب العالمين.