للتأمل
✍️ : د. إدريس أوهنا
“طوفان الأقصى” ليس حدثا تاريخيا مر وانتهى، وما ينبغي أن يكون كذلك.. إنه شرارة الانطلاقة الفعلية والنوعية في بناء نهضة حقيقية للأمة العربية والإسلامية، في بناء تحرر شامل، وتحضر بنيوي مركب، يجمع بين عناصر الحضارة الثلاث كما قررها المفكر الألمعي مالك بن نبي في كتابه “شروط النهضة” وهي: الإنسان، والتراب (المادة)، والوقت، مع وجود العامل الذي يؤثر في مزج العناصر الثلاثة بعضها ببعض، والذي اصطلح عليه ب: “مُركِّب الحضارة” وهو: “الفكرة الدينية” التي رافقت دائما تركيب الحضارة خلال التاريخ كما قال، وقد كانت حاضرة -أعني الفكرة الدينية- بقوة وتجذر ووضوح عند مهندسي الطوفان وجنود المقاومة وحاضنتها الشعبية، تصورا وإيمانا وتمثلا عمليا. بها تم بناء ذلك الإنسان المقاوم مدنيا كان أو عسكريا، بناء وعيه وروحه وفكره وذوقه وعاداته وسلوكه، حتى صار إنسانا حضاريا بميزة ربانية فريدة أجبرت العالم بأسره على الاعتراف بها والانحناء أمامها، بل دفعت البعض إلى الارتشاف من رحيقها الإيماني، والارتواء بزلالها القرآني.
فما ينبغي بعد مرور ردح من الزمن على تفاعل الأمة الإيجابي مع معجزة الطوفان، أن يقال: “كل الذي كان هو أن أحداثا صدمتها صدمة عنيفة أيقظتها من نومها، ثم لم تلبث بعد أن زال أثر هذه الصدمة أن غالبها النعاس فعادت إلى النوم، وأمكنها في نومتها هذه أن تعود إلى أحلامها” – مقتبس من كلام مالك بن نبي في كتابه “شروط النهضة” ص38-.
ما ينبغي أن نحلم بالحقوق كعادة الشعوب المقهورة وننسى ما علينا من واجبات، وأول هذه الواجبات أن نغير ما بأنفسنا من قابلية للاستبداد والفساد، وننخرط في بناء الوعي الجمعي، وفي صحوة تغيير الأفكار والأرواح والأذواق، ولا نحقر في هذا الطريق الطويل من المعروف شيئا؛ فإن عش الطير من ذلك القش اليسير.
إن “مشكلتنا ليست فيما نستحق من رغائب بل فيما يسودنا من عادات، وما يراودنا من أفكار، وفي تصوراتنا الاجتماعية بما فيها من قيم الجمال والأخلاق، وما فيها أيضا من نقائص تعتري كل شعب نائم” -شروط النهضة، ص37-.
وما ينبغي في هذا المسار اللاحب وإن طال، أن نتأثر بجهل الجاهلين “الجهل الذي يلبسه أصحابه ثوب العلم، فإن هذا النوع أخطر على المجتمع من جهل العوام؛ لأن جهل العوام بين ظاهر يسهل علاجه، أما الأول فهو متخف في غرور المتعلمين” -شروط النهضة، ص39-.
ما ينبغي أن يتحول الشعب إلى جماعة من المستمعين يصفقون لكل خطيب أو زعيم، وقد ضربوا الأقفال على عقولهم فلا نقد ولا استفسار ولا اعتراض ولا إنكار !! لأنه بذلك تموت “الفكرة” ويبرز “الصنم”، وتتجذر القابلية النفسية للاستبداد في القطر المستقل ، والقابلية النفسية للاحتلال في الوطن المحتل.
إن تجذير الفكرة والوعي في بناء الإنسان الحر، هو السبيل للإعداد المادي الراشد، ولحسن استغلال الوقت من أجل بعث فكري وروحي دائمين ومستمرين، ينقلان العرب والمسلمين من الظاهرة الصوتية الانفعالية العاطفية، إلى المبادرة العلمية التربوية العملية، على أسس هوياتية حضارية، تستعصي عن الانهزام والاستسلام والذوبان، مهما اشتدت المحن، وادلهمت الخطوب ‼️