عاشوراء.. مدرسة في الشكر والثبات

عاشوراء.. مدرسة في الشكر والثبات
أ. محمد العوامي
يعود يوم عاشوراء كل عام ليُجدّد في قلوب المسلمين ذكريات النصر والنجاة، ويغرس في النفوس قِيَم الصبر والشكر والثبات على الحق. هذا اليوم المُشرق، الموافق العاشر من شهر الله المُحَرَّم، يحظى بمكانة رفيعة في الشريعة، وهو من الأيام التي عظَّمها النبي ﷺ وحثَّ على إحيائها بالصيام والشكر، لا بالحزن أو البدع.
🔘 جاءت سُنَّة صوم عاشوراء واضحة في الأحاديث الصحيحة:
1. عن ابن عباس رضي الله عنهما: “قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ». فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.” (رواه البخاري ومسلم).
2. وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ.” (رواه مسلم).
أجمع أهل العلم على أن صيام يوم عاشوراء سُنَّة مؤكدة، وهو من أعظم الأيام التي تُرجى بها مغفرة الذنوب. وقد حثَّ النبي ﷺ على صيام التاسع مع العاشر مخالفةً لليهود، كما في حديث ابن عباس: “لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ.” (رواه مسلم).
ينظر أهل السنة والجماعة إلى يوم عاشوراء باعتباره يوم عبادة وشكر لله تعالى على نجاته لنبيه موسى عليه السلام وقومه من طغيان فرعون. إنها مناسبة لإحياء قيم:
✔️ التوحيد والاعتماد على الله.
✔️ الثقة في نصر الله للمستضعفين.
✔️ الثبات على الحق في وجه الباطل.
وليس مناسبة للبكاء، أو اللطم، أو النياحة، أو إحياء المآسي التاريخية التي تُمزِّق الأمة. وقد أنكر العلماء المحققون هذه الممارسات المبتدعة. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في “اقتضاء الصراط المستقيم”: “وَأَمَّا اتِّخَاذُهُ مَوْسِمًا لِلْحُزْنِ وَالْبِدَعِ، فَهُوَ مِنَ الضَّلَالِ الَّذِي مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ مِنْ سُلْطَانٍ”.
🔘 عاشوراء مدرسة عملية:
يُقدِّم هذا اليوم المبارك دروسًا عظيمة:
✔️ الجمع بين العبادة الفردية (الصيام) والتربية الجماعية (بث روح الشكر والثقة والثبات).
✔️ تذكير بالنصر بعد الصبر، والفرج بعد الشدة، كما تجلى في نجاة موسى وقومه.
✔️ تشجيع على السَّعة على العيال: ورد عن بعض السلف كسفيان بن عيينة: “مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ.” وقد قال الإمام أحمد عن هذا الأثر: “رُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ، وَمَا أَرَاهُ إِلَّا حَسَنًا، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ النَّاسِ.” (ذكره ابن رجب في “لطائف المعارف”).
🔘 عاشوراء والأمة المعاصرة:
تواجه الأمة اليوم تحديات جسامًا، مما يجعل استلهام معاني عاشوراء أكثر إلحاحًا:
✔️ الثبات على الحق في مواجهة زخم الباطل الإعلامي والسياسي.
✔️ الشكر العملي بحفظ النعم، ونصرة المظلوم، ومقاومة الفساد.
✔️ نشر السنن ومحاربة البدع والمظاهر المشوِّهة للإسلام.
✔️ تربية الأجيال على الولاء للحق، لا للأحزان المفتعلة أو الانتماءات الضيقة.
🔘 كيف نحيي عاشوراء كما أراد النبي ﷺ؟
1. صيام التاسع والعاشر بنية التقرب إلى الله وشكره.
2. تعليم الأبناء فضل اليوم وقصته الحقيقية من القرآن والسنة.
3. الإكثار من الصدقات وقراءة القرآن وصلة الأرحام.
4. الحذر من البدع كتخصيص أطعمة، أو ألبسة، أو شعائر حزن لا أصل لها.
5. تحويل اليوم لمحطة مراجعة نفسية وتربوية، لا موسم طقوس فارغ.
🔘 يوم عاشوراء ليس مجرد ذكرى، بل رسالة إيمانية متجددة: طريق الأنبياء محفوف بالابتلاء، لكن العاقبة دومًا للمتقين الصابرين الشاكرين. من صامه شكرًا، واستثمره توبةً، وأحياه سُنَّةً، نال بركاته في الدنيا والآخرة.
نسأل الله أن يجعلنا من الصادقين في عبادته، الثابتين على دينه، الشاكرين لأنعمه، المتبعين لهدي نبيّه ﷺ، وأن يجعل عاشوراء يوم فرجٍ ونصرٍ للأمة.