مقالاتمقالات الرأي

من رحم التهميش إلى الفعل السياسي: الهيئة الوطنية للجزيرة تتقدم الصفوف

خليل البطران

في تطور سياسي واجتماعي بارز، أعلن أبناء محافظات الحسكة، دير الزور، والرقة عن تشكيل هيئةوطنية جديدة تحت اسمالهيئة الوطنية للجزيرة العربية السورية، لتكون إطارًا جامعًا يمثل صوتالسكان في مواجهة الانتهاكات المستمرة، لا سيّما من قبل قواتقسد، في ظل تهميش الإعلام الرسميالسابق، وصمت الإعلام الحكومي الحالي، وتواطؤ الكثير من القنوات الفضائية مع مليشيا قسد، وانهيارالمنظومة الأخلاقية للإعلام وفقدان الشفافية والنزاهة في ظل حكومات تسيس الإعلام لخدمة أجنداتها.

لمحة تاريخية عن الجزيرة العربية السورية والتهميش المتواصل

تضم الجزيرة العربية السورية ثلاث محافظات رئيسية: الحسكة، دير الزور، والرقة، وتعد من أكثر المناطقالسورية غنى بالموارد الطبيعية، خصوصًا النفط والغاز، فضلًا عن مساحاتها الزراعية الخصبة. ومع ذلك،فقد عانت هذه المنطقة لعقود من التهميش المتراكم، سواء على مستوى الخدمات أو التمثيل السياسي أوالتنمية الاقتصادية.

في عهد النظام السابق برئاسة حافظ الأسد ثم بشار الأسد، فُرضت سياسات مركزية مشددة أعاقتالتنمية وعمّقت الفقر والبطالة، وأخضعت المجتمع المحلي لرقابة أمنية مشددة استهدفت النشاط المدنيوالسياسي والثقافي، مما أدى إلى شعور متزايد بالتهميش والعزلة.

ومع اندلاع الثورة السورية، وما تبعها من تحولات سياسية كبرى انتهت بإسقاط نظام بشار الأسد فيالثامن من كانون الأول عام 2024، دخلت الجزيرة مرحلة جديدة من التحديات، حيث فرضتقسدسيطرتها العسكرية والإدارية على الأرض، وأحكمت قبضتها على الموارد والثروات، ما عمّق شعورالسكان بالإقصاء، وزاد من معاناتهم اليومية.

خلفية التأسيس: تغوّل وتهميش وصمت رسمي

على مدى سنوات، شهدت الجزيرة العربية السورية موجات من الاعتقالات التعسفية، والتهجير القسري،والاستيلاء على الثروات العامة من نفط ومحاصيل، دون أن يكون هناك أي تمثيل سياسي حقيقي لأهلها. تواطأ الصمت الرسمي مع التجاوزات على الأرض، ما عمّق من شعور سكان المنطقة بالعزلة السياسيةوالاجتماعية.

رد موحد: من التفرق إلى التنسيق

تأتي الهيئة كمحصّلة طبيعية لتجارب سابقة اتسمت بالتشتت والانقسام، حيث فشلت المبادرات الجزئيةفي تمثيل الجزيرة بشكل موحد. وتمثل الهيئة الوطنية الجديدة نقطة تحول، إذ تنطلق من رغبة صادقة فيتوحيد الصوت السياسي والاجتماعي لأبناء الجزيرة، وصياغة خطاب وطني جامع يمكن أن يتفاعل معالحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد حسين الشارعيس، ومع مختلف الفاعلين في الداخلوالخارج.

خطاب سياسي جامع في وجه المشاريع الانفصالية

أكد البيان التأسيسي للهيئة، الصادر في السادس والعشرين من حزيران 2025 / الأول من محرم 1447 هـ، على المبادئ التالية:

1. مقاومة جميع أشكال الاحتلال، ورفض مشاريع قسد وتقسيم الحدود

2. استعادة السيادة السورية الكاملة على الجزيرة

3. مواجهة المشاريع الانفصالية العابرة للحدود

4. تأسيس دولة سورية مدنية ديمقراطية تضمن الحقوق والواجبات لكل المواطنين

5. محاسبة المتورطين في نهب الثروات النفطية والزراعية

6. إطلاق سراح المختطفين والمعتقلين قسرًا، وكشف مصيرهم

كما شدد الدكتور وائل علي الحافظ، رئيس الهيئة، في لقاء صحفي عقب البيان:

إنّ وحدتنا هي الضامن الحقيقي لحقوقنا، ولا يمكن تحقيق أي تقدم دون توحيد الجهود ومواجهةالتحديات بشكل جماعي.”

لقاء تفاعلي وردود موفقة

عقب انطلاقة الهيئة، أُقيمت مساحة تفاعلية عبر منصةإكس، شارك فيها الدكتور وائل علي الحافظ،رئيس الهيئة، والأستاذ خليل البطران، الناطق الرسمي باسمها. وخلال اللقاء، طُرح سؤال من الدكتورمحمد للأستاذ خليل حول ما إذا كانت الهيئة حكرًا على العرب، أم أنها مفتوحة لغير العرب، خاصة الكُرد.

أجاب البطران بإجابات رصينة ومحترفة، مؤكدًا أن الهيئةوطنيةقبل أن تكونعربية، وأنها تمثل كلمن يحمل الهوية الوطنية السورية، مؤمنًا بوحدة سوريا، ورافضًا لمشاريع التقسيم. وأضاف أنالكثيرمن العرب ممن تماهوا مع مشروع قسد لا يُسمح لهم بالانضمام إلى الهيئة، بينما نعتز بكثير من الأكرادالوطنيين الذين يقدّمون أنموذجًا مشرفًا للمواطن السوري الحقيقي.”

انتشار شعبي واسع وإقبال متزايد

منذ الإعلان عن تأسيسها، لاقت الهيئة ترحيبًا شعبيًا واسعًا، وبدأت الآلاف من أبناء الجزيرة السوريةبالتواصل معها والانضمام إلى صفوفها. هذا الإقبال دفع الهيئة إلى نشر استمارات إلكترونية عبرمنصاتها الرسمية علىإكسلتسهيل إجراءات الانتساب وتنظيم الطاقات الشعبية ضمن أطر قانونيةومؤسسية.

قيادة وهيكلة متكاملة

تضم الهيئة مجموعة من الكوادر الوطنية التي تمثل محافظات الجزيرة بشكل متوازن، وهم:

الدكتور وائل علي الحافظ رئيسًا للهيئة

فواز الحميد السبعاوي نائبًا للرئيس

الأستاذ إسماعيل الحبيب نائبًا عن الرقة

الدكتورة نغم الحافظ رئيسة مكتب العلاقات العامة

الأستاذ خليل البطران ناطقًا رسميًا باسم الهيئة

وتعكس هذه التركيبة حرصًا على تمثيلٍ عادلٍ ومنصف لكل مكونات المجتمع الجزراوي.

التحديات والآفاق المستقبلية

يبقى الاختبار الحقيقي للهيئة في مدى قدرتها على كسب ثقة الشارع، وتوسيع قاعدة المشاركين فيها منفاعليات المجتمع المدني والعشائري، وبناء خطاب سياسي واقعي يستوعب تحديات ما بعد سقوط النظامالسابق، ويُساهم في التأسيس لمرحلة جديدة من التمثيل السياسي المتوازن.

خاتمة

إن ولادة الهيئة الوطنية للجزيرة العربية السورية تمثل في هذا المنعطف التاريخي الحساس بارقة أمللاستعادة الدور الوطني للمنطقة الشرقية من سوريا بعيدًا عن الاستقطابات الخارجية والهيمنة المفروضة،وإذا نجحت الهيئة في تنظيم صفوفها وتوسيع قاعدتها الشعبية، فإنها ستكون ركيزة حقيقية لإعادة بناءسوريا على أسس العدل والمواطنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى