أخبار الجمعيةاجتماعيةثقافة ومجتمععامقضايامقالاتمقالات تربويةمقالات فكرية

عمر المختار وغزة: (صمود يتجاوز الزمان والمكان)

أ. محمد العوامي

في السادس عشر من سبتمبر من كل عام، تحل ذكرى استشهاد أسد الصحراء، شيخ المجاهدين عمر المختار، الذي قاد المقاومة الليبية ضد الاحتلال الإيطالي ببسالة وصمود قلّ نظيره. هذه الذكرى ليست مجرد تاريخ يمر، بل هي محطة للتأمل في معاني التضحية، الإباء، والتمسك بالحقوق.
اليوم ونحن نستحضر هذه الروح الفذة لا يمكننا إلا أن نربطها بما يجري في قطاع غزة الصامد، حيث تتجسد أسمى آيات المقاومة والصمود في وجه عدوان لا يرحم. إن قصة عمر المختار، وإن كانت قد حدثت في زمن ومكان مختلفين، إلا أن صداها يتردد بقوة في أزقة غزة وشوارعها، لتؤكد أن إرادة الشعوب الحرة لا يمكن أن تُقهر، وأن الحقوق لا تسقط بالتقادم أو بالقوة الغاشمة.

● عمر المختار: (رمز النضال ضد الظلم)
وُلد عمر المختار في عام 1858 في منطقة البطنان ببرقة الليبية، ونشأ يتيماً ليتلقى تعليمه في الزاوية السنوسية، حيث تشرب مبادئ الدين والشجاعة والقيادة. كان شيخاً ومعلماً قبل أن يصبح قائداً عسكرياً فذاً، قاد المقاومة الليبية ضد الغزو الإيطالي لأكثر من عشرين عاماً. لم يكن عمر المختار مجرد قائد عسكري، بل كان رمزاً للصمود والإيمان بعدالة قضيته. استخدم حرب العصابات ببراعة، مستفيداً من معرفته العميقة بتضاريس الصحراء، مما أرهق القوات الإيطالية المدججة بالسلاح. كلماته الخالدة:
《”نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت”》
لم تكن مجرد شعار، بل كانت فلسفة حياة قاد بها شعبه نحو التضحية والفداء. ورغم تقدمه في السن، لم يتوانَ عن قيادة المعارك، حتى وقع أسيراً في عام 1931، وحُكم عليه بالإعدام شنقاً أمام الآلاف من أبناء شعبه، في محاولة من الاحتلال لكسر إرادة المقاومة، لكن استشهاده لم يزد الشعب الليبي إلا إصراراً على نيل حريته.

● غزة: (امتداد لروح المقاومة)
اليوم تتجلى روح عمر المختار في غزة، حيث يواجه الشعب الفلسطيني عدواناً وحصاراً لا يقل قسوة عن الاحتلال الإيطالي لليبيا. إن المقاومة الفلسطينية في غزة، على الرغم من التفاوت الكبير في موازين القوى، تواصل الصمود والتحدي، مستلهمة من تاريخ طويل من النضال ضد الظلم. نرى في صمود أهالي غزة، وفي بسالة مقاومتهم، انعكاساً لروح عمر المختار الذي رفض الاستسلام ودافع عن أرضه وكرامته حتى الرمق الأخير. التشابه لا يقتصر على مجرد المقاومة المسلحة، بل يمتد إلى الصمود الشعبي، التمسك بالأرض، والإيمان العميق بالحق في الحرية والعيش بكرامة. الأطفال والنساء والشيوخ في غزة، الذين يواجهون آلة الحرب والدمار، يسطرون بدمائهم وتضحياتهم فصولاً جديدة في كتاب المقاومة، مؤكدين أن الظلم مهما طال أمده، فإن إرادة الشعوب الحرة أقوى من كل جبروت.

● الصمود والتضحية: (قيم خالدة)
إن الصمود والتضحية هما القاسم المشترك بين نضال عمر المختار ومقاومة غزة. لقد أظهر عمر المختار، بشيخوخته وحكمته، أن الإيمان بالقضية أقوى من السلاح، وأن التمسك بالحق لا يلين أمام التهديدات. هذا الصمود يتجلى اليوم في كل بيت فلسطيني في غزة، في كل طفل يحلم بالحرية، وفي كل أم فقدت فلذة كبدها وما زالت ترفع رأسها عالياً. التضحية بالنفس والمال والأهل من أجل الوطن والكرامة هي رسالة عمر المختار التي تتجدد في غزة.
إنها رسالة مفادها أن الأرض ليست مجرد تراب، بل هي هوية ووجود وكرامة، وأن الدفاع عنها واجب مقدس. هذه القيم الخالدة هي التي تمنح المقاومة شرعيتها وقوتها، وهي التي تجعلها قادرة على الاستمرار رغم كل التحديات، وتلهم الأجيال القادمة لمواصلة النضال حتى تحقيق النصر.

● دروس التاريخ: (دعوة للتأمل ودعم القضية)
في ذكرى استشهاد عمر المختار تتجدد الدعوة للتأمل في دروس التاريخ التي تؤكد أن الظلم لا يدوم، وأن الشعوب التي تتمسك بحقوقها وتصمد في وجه العدوان لا بد أن تنتصر.
إن ربط نضال عمر المختار بما يجري في غزة ليس مجرد مقارنة تاريخية، بل هو استلهام لروح المقاومة والصمود. إن ما يواجهه أهل غزة اليوم هو امتداد لمعركة الحرية والكرامة التي خاضها عمر المختار ورفاقه. واجبنا، كأمة وشعوب حرة، هو دعم هذه القضية العادلة بكل السبل الممكنة، والوقوف إلى جانب الحق، حتى يتحقق النصر وتعود الأرض لأصحابها، وتشرق شمس الحرية على فلسطين، كما أشرقت على ليبيا بعد عقود من النضال.

🔖 إن ذكرى عمر المختار هي تذكير دائم بأن المقاومة هي السبيل الوحيد لتحقيق العدالة، وأن الصمود هو مفتاح النصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى