أتدري من حكيم ؟

أ. فرج كريكش
أعرف تماما أن قائمة أعمالك اليومية لا تكاد تنتهي ، و أنا كذلك!!
ومامنا إلا وله أطفاله وأحبابه وظيفته ومسؤولياته وواجباته المهنية والاجتماعية بل والترفيهية ولكن لا تظنن أبداً أن الذين يعتلون سفينة عمر المختار متجهين نحو المجهول على ضفاف بحر غزة كانوا عاطلين عن العمل أو مقطوعين من شجرة ، أو أنهم كانوا ملائكة منزلين من السماء ، إنهم مثلك ومثلي تماما بل ولدى أحدهم ما لا يعلمه إلا الله من الاستحقاقات والهموم والفواتير والمواعيد والأوراق النقدية من فئة العشرين المزورة والخمسة دنانير المنتهية الصلاحية تحتاج إلى إيداع بالبنك أو اتجار في سوق العملة ،
ومالفرق بيننا إلا في ضمير بنبض تنغيصا وملامةً لايتركهم وشأنهم مثلنا
الفرق الحقيقي أنهم لم يُسكتوا ضميرهم بل حولوه إلى مجداف
إن الكفار الذين انطلقوا يمخرون عباب البحر من إيطاليا واسبانيا والذين لم تعجبكم أغنياتهم وملابسهم في الأسطول المغاربي يشبهون حكيم بالضبط !!
أتدري من حكيم ؟
إنه رجل أعمال حميٌ الأنف كريم السجايا وابن بلد لم يقبل على نفسه أن تحاصر عمته في شِعب المجاعة والظلم ويظل مشغولا بمشاهدة المسلسلات والحفلات والتسلي بالهمز واللمز على مواقع التواصل الاجتماعي
إنه حكيم بن حزام بن خويلد الذي كان أول من كسر حصار شعاب مكة وأدخل المساعدات إلى عمته خديجة رغم أنف اعتراض أبي جهل له بالقوة !!
كان حكيم من أثرياء مكة وتجارها، وكان له قلب رحيم، فكان يُدخل الطعام سرًا إلى عمته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، زوج النبي ﷺ، وإلى من في الشعب.
يُروى أن أبا جهل اعترضه يومًا وهو يحمل قمحًا أو طعامًا يريد إدخاله إلى الشعب، فمنعه وأخذ يخاصمه، حتى تدخّل أبو البختري بن هشام وقال لأبي جهل: “دعه فإنما هو طعام لعمته فوقعت مشادة بينهما وضرب أبو البختري رأس أبي جهل ببعيرٍ كان معه، فخلّص حكيم الطعام وأدخله
هكذا تبدأ البطولة: بخطوة صغيرة، برغيف، بمجداف.
ثم تأتي الجائزة الكبرى
امضوا أيها الأحرار في طريق حكيم فمازال الرسول صلى الله عليه وسلم به – وهو المشرك – دعوة ونصحا وأعطيات على هذا الصنيع حتى صار (سيدنا) حكيم بن خويلد رضي الله عنه
وإن سيرته لميسرة للذكر في كتب السيرة فهل من مدكر ؟
وأما أنت أيها المشغول مثلي بمعركة الخبز وتوسيع دائرة الركض فليس أقل من أن تدعو لأصحاب حكيم ولا تنسرع في الاستهزاء بجهدهم وجهادهم فمن يدري لعلهم سيكونون مصدر فخرنا الوحيد يوم الفتح
﴿فَتَرَى الَّذينَ في قُلوبِهِم مَرَضٌ يُسارِعونَ فيهِم يَقولونَ نَخشى أَن تُصيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأتِيَ بِالفَتحِ أَو أَمرٍ مِن عِندِهِ فَيُصبِحوا عَلى ما أَسَرّوا في أَنفُسِهِم نادِمينَ﴾