عاممقالاتمقالات تربوية

ميزان الخشية

أ. وليد المغربي

إنّما العلم الخشية كما جاء عن السّلف؛ لأنه الباعثُ عليها، كما قال -سبحانه-: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ!﴾ هكذا عبّرت الآية بــ(إنّما) التي هي للحصر والقصر!.
وهذا معيار لللتقييم، فإذا وجدت حاملَ علمٍ أو مَن يحفظ المعلومات، ويسردها، أو يعلي عمامته، ويجمع الإجازات والشهادات، ويتصدر في المجالس، فليس هو العالم المَعني ولا المَرضي، حتى تضع أقواله وأفعاله على ميزانِ الخشية!..

وكيف هو الميزان!؟

وذلك ألا يفعل فعلًا أو يفتى بفتوى، أو يقول قولًا حتى يعرض نفسَه على الجنة والنار كما قال الإمام مالك، وحتى يعرف حكم الله تعالى فيه، وأين رضاه فيُقبِل عليه، وأين سخطه فيجتنبه!.

تجد للأسف بعضَ طلاب العلم والدعاة يتعاملون بالعاطفة في ذلك، فتراهم يعظّمون حاملِي العلم من أجل حفظهم القوي، أو الخطابة الباهرة، أو إذا بكى أمامهم، أو مدح سيدنا رسول الله ﷺ، أو إذا كثرت إجازاته، أو زادت مراتبه ودرجاته الأكاديمية، فيكون عندهم قد جاز المفاوز، وجاوز القنطرة!.
ولو أحلّ سفك الدّماء أو ناصر الطغاة أو مدحهم، أو مشى في ركاب المفسدين، أو أباح المحرمات للحاكمين!.

وهل أفسدَ الدّينَ إلا الملوك**وأحبارُ سوءٍ ورُهبانُها!

وقد ذمّ القرآن العظيم حاملي العلم الذين أفسدوا بعلمهم، وتبعوا أهواءهم لقد ذمّهم أشدّ الذمّ وصوّرهم في أبشع صورة!.

فقد وصف مَن حملوا الكتابَ معلومات، ولم يدخل قلوبهم بيّنات هاديات!، بالحُمُر فقال:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ!﴾
لم يحملوا العلم بحقّ، ولذلك قال ثم لم يحملوها، لأنهم ما حملوها على الحقيقة!.

وووصف مَن اتّبع هواه منهم، بقوله -جلّ جلاله-:
﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَٰهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلْأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّٰلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾

تجد هذا عندما يُفقَدُ بعضُ حاملي العلم، ولم يحملوه بحقه، فيرفعونهم درجات عالية، ولو وُضِعوا على ميزان الخشية، لكان حقّهم الشّفقة!.

ورحم الله من مات وماتت ذنوبه معه، والويل الطويل لمن مات وبقيت ذنوبه…!
كما قال الإمام الغزالي…

ذنوب تبقى، كَسَنِّ سُنّة سيئة، أو مناصرة ظالم، أو مفسد، فهي باقية ما بقي ذاك الظلم، أو ذلك الفساد، أو تلك الفتاوى المأجورة!.
نسأل الله العافية…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى