عاممقالاتمقالات الرأي

رُبّ عَيشٍ أَخَفُّ منه الحِمامُ

الشيخ د. ونيس المبروك
بعض الآباء والأمهات يظنون أن العيش الرغيد ، والحياة الآمنة، والعزة في أوساط المجتمع لايمكن أن تتحقق إلا بالذل والتزلف بل تقديم مراسم الخنوع والمدح الكاذب والولاء الرخيص للطغاة الجبابرة والمسؤولين وأصحاب المال والنفوذ
بل لا يتردد بعضهم في مشاركة هؤلاء الطغاة في الظلم والقتل والنهب والكذب والدجل،
وهذا والله ضلال مبين، بتنافى مع قواطع الشرع الحنيف ، ووهمٌ زائفٌ حبله قصير، سُرعان ما تكشفه الأيام، لأنه ينافي سنن الاجتماع، وتجارب التاريخ القريب والبعيد
قد نلتمس العذر – وليس في العبودية عذر- لمن تعود التطبيل والدجل والتزلف زمنا طويلا في ما قبل فبراير، لأن الإنسان إذا مارس- هو أو أسرته – سلوكا فترة طويلة من العمر، يصعب عليه فطام النفس منه؛ لأنه يعتاده؛ ثم يَسْهُل عليه.

إن الكرامة والحرية وعزة النفس تحتاج إلى ضميرٍ متيقظ وقلب حي، وإذا تخدّر الشعور ومات القلب فلن يتألم الإنسان من وخز الذل وجرح الهوان وخسة النفس
قال أبو الطيب : مَن يَهُن يسهُل الهوانُ عليه **ما لِجُرحٍ بميّتٍ إيلامُ
كان فرعون مصر يسيم بني إسرائيل العذاب ويسقيهم من كأس الذل والهوان، و يستبيح دماء رجالهم زمنا طويلا، حتى بعث الله فيهم موسى عليه السلام لتحريرهم وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، وبذل مع أخيه هارون عليه السلام جهودا مضنية، ولكن هذا الجيل انتكست فطرته، واختلت موازنيه؛ فاستساغ طعم العبودية، وتعارف المجتمع على المهانة ، وانتشرت في أوساطه ثقافة ” الذل”
فما أن نجاهم الله تعالى من فرعون وبلغوا شاطىء الأمان، حتى قالوا لنبيهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة،
ومع أن الله ضمن لهم النصر على عدوهم ولكنهم رفضوا دخول الأرض المقدسة، لأن النفوس التي رضغت الذل وتعودت العبودية، لن تحمل رسالة، ولن تبني دولة ولن تؤسس حضارة ولن تتطلع إلى فضيلة، بل علمتنا التجارب أن الطاغية سيضحي بهم ويتنكر لهم عند أول منعطف بعض ضعاف النفوس يتمنون مقام العبيد وعيشهم الرغيد،.. وينسون أن مثل هذا اللون من الحياة، الموت أطيب وأشرف منه :
ذَلَّ من يغبطُ الذَليلَ بِعَيشٍ
رُبّ عَيشٍ أَخَفُّ منه الحِمامُ

 

Related Articles

Back to top button