اجتماعيةعاممقالاتمقالات تربوية

حين يهدأ الذكر… وتبقى الأعمال

الشيخ د. سالم الشيخي
جلستُ ذات مرة أتأمّل في أحوال عددٍ ممن فقدناهم، أولئك الذين مضوا إلى الدار الآخرة، وقلت في نفسي: دعني أفتّش عن موقعهم اليوم في حياة أحبابهم؛ كيف يُذكرون؟ وكم يحضرون في الذاكرة؟ فوجدتُ العجب.
بعضهم لا يزال يُذكر كل أسبوع، وكأن الفراق ما زال طريًّا.
وبعضهم يمرّ ذكره مرة في الشهر، يلوح ثم يغيب.
وبعضهم تمضي عليه السنوات، فلا يكاد يُذكر إلا عَرَضًا، أو عند مناسبة عابرة.
وكلما ابتعدت مسافة الفراق، ازداد النسيان، إلّا في حالات قليلة نادرة.
فهمتُ حينذاك أنّ هذا ليس قسوة من القلوب، ولا جفاءً من الأحباب، بل هو أمرٌ طبيعي في حياة البشر، ورحمة من الله بالحيّ؛ إذ لا تستقيم الحياة لو بقي القلب معلّقًا بكل من فقد، ولا استمرّ العيش لو ظلّ الحزن مقيمًا لا يرحل.
ثم التفتُّ إلى نفسي فجأة، وقلت لها بصدقٍ لا مجاملة فيه:
هذا سيكون حالك أنت أيضًا بعد الموت.
الناس – على اختلاف قربهم وبعدهم – سيذكرونك كما ذكروا غيرك، وكما تذكر أنت اليوم من سبقك من أحبابك.
سيبكيك بعضهم طويلًا، ويترحّم عليك آخرون قليلًا، ثم تمضي الحياة، ويهدأ الذكر، وتبقى الذكريات في زوايا محدودة من القلوب.
وهنا كان الدرس قاسيًا في صدقه، عادلًا في حكمه:
الناس لا يُعوَّل عليهم بعد الموت، وإنما يُعوَّل على رحمة الله، ومن بعدها على العمل الصالح.
الذي يبقى معك في قبرك؛ فانتبه: لا تعوّل على كثرة ذكر الناس لك، ولا على حرارة المشاعر، بل على:
•⁠ ⁠عملٍ صالحٍ قدّمته خالصًا لله.
•⁠ ⁠حسنةٍ جاريةٍ غرستها في هذه الأرض.
•⁠ ⁠علمٍ نافعٍ تركت أثره في العقول والقلوب.
•⁠ ⁠ولدٍ صالحٍ يرفع كفّيه بالدعاء لك في غيبك.
•⁠ ⁠دعوةِ مسلمٍ في ظهر الغيب لك.
فيا نفس، إن كان هذا مآلك المحتوم، فاعملي لآخرتك قبل أن يُطوى اسمك من المجالس، ويهدأ ذكرك في الألسنة.
ازرعي ما تحبّين أن تحصديه بعد الموت، واستعدّي للقاء ربّك، مستعينةً به، متوكّلةً عليه، راجيةً رحمته، خائفةً من تقصيرك، وموقنةً أنّ ما عند الله خيرٌ وأبقى.

Related Articles

Back to top button