إمعان النظر وإعمال العقل بات ضرورة في عالم القداسة الزائفة
الاستاذ: مصباح الورفلي
لا شيء دعاني لتبني هذه النظرية إلا بعد اختلال منظومة المسلَّمات التي كنا نتلبّس بها عمياناً حدّ الإذعان والقبول، وكأنها ضروريات لا نقاش فيها ولا تردّ ولا مكان لإمكان العقل.
ولا شيء دعاني لذلك إلا حالة الانتباه من الغفلة والاستفاقة من الظلمة بعد صور المسخ والتأويل اللامنطقي التي يروّجها الظاهريون الجدد والتي يستهجنها كل ذي لب سوي وبصيرة ثاقبة.
ولا شيء دعاني لذلك سوى ازدرائي لتلك الأُطر والقوالب التي قولبنا فيها وشكّلت لفترة من الزمن عقولنا ورسمت أنماط تفكيرنا ولولا مدرسة العقل والكلام المنضبطة بالشرع التي انتشلتنا من وحل ضحالة التفكير إلى رحبات النظر ومدارج العقول النيّرة لبقينا العمر كله من ضيق إلى ضيق، ومن هم إلى هم أكبر منه وانتهت بنا إلى مصاف العاطلين المعطّلين.
لا شيء يرجع له الفضل بعد الله وحده سوى مدرسة العقل والكلام التي أشارت علينا “ليس كل ما يطرح بديهي وضرورة مسلّمة مقابل إعمال العقل أو إمعان النظر” ولو جاء بالسند الصحيح،بخاصةٍ إذا تعارضت ومقاصد الشريعة، فكم تراءى لنا أنه مجرّد ليّ لأعناق النصوص لترضيةِ هوى شخصٍ ما، وتلبية لرغباته وتحقيقاً لمُراده في تبعية العامة له، دون أدنى تفكير وإن خالف وبدّل وحرّف وعبس وبسر ونظر وأدبر وسعى في غيّ نزواته وشهواته.
أيُّ دين وأيُّ شريعة وأيُّ منهجية يقبلها العقل ويسلّم لها طواعية وينال بذلك الأجر العظيم، وأي سويّة يرتضيها الإنسان لنفسه ويُوهم بها عقله بأنه اقتضاء الصراط المستقيم وبها يكتمل تمام الدين وما هو إلاً فساداً للزيج والميزان القويم يُجبرون الناس عليه إجباراً ومن خالفهم فهم في الضلال والبدع والزيغ المبين.
وإن جادلتهم فنحن وموروثنا بدعة ومشايخنا ضلّال ومنهجنا إفراطٌ وتفريط، يجب إخضاعه لقواعد العدالة بزعمهم، يتصيّدون قليلي الحظ من الثقافة والتعليم، يحشون فراغ عقولهم بقداسة مشيخة زائفة، ولو تمعّنا في سلوكياتهم ومنهجهم ،هم أنفسهم لم يخل أمرهم من التشكيك والزيغ والخلو من خوارم المروءة.
فهل بعد ذلك يكون التسليم لهؤلاء وإضفاء القداسة لمشيختهم والترويج لهم على حساب تبديع علمائنا المالكية؟ أم ينبغي علينا أن نُعمل عقلنا ونتوقف فاحصين ناقدين مستمدين من علم المنطق والكلام والعقل ما نحاجج ونستدل به.
لذا كان لزامًا علينا بعد كشف عوارهم وزيغهم وطفح هواهم وغثيثة عقولهم ألا نسلّم بكل ما جاؤوا به، بل علينا إمعان النظر وإعمال العقل وجلب موروثنا وعُرفنا المستمد من شريعتنا ومذهبنا السائد لقرون، المقدّر لنوازلنا القديم منه والحديث والملائم لبيئتنا وطابعنا المحلي والتحصّن به أمام تيارهم الغريب.
هكذا تعلمنا من مدرسة العقل القويم.