الإسلامُ السّياسي: بين الجذورِ الفكريَّةِ والجدلِ المعاصرِ
الإسلامُ السّياسي: بين الجذورِ الفكريَّةِ والجدلِ المعاصرِ
د. طالب عبد الجبار الدغيم
الإسلام السياسي هو مصطلح يُشير إلى الاستخدام السياسي للقيم والمبادئ والمُثل الإسلامية في تنظيم المجتمع والدولة “الجمع بين الإسلام والسياسة”، ويهدف حسب المنظرين لهذا المفهوم إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في الحياة العامة، وذلك استجابة للظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدها العالم الإسلامي، حيث يسعى إلى تقديم بدائل للأنظمة “العلمانية“ أو “الاستبدادية“ من خلال العودة إلى القيم الإسلامية.
تاريخياً، فكرة الجمع بين الإسلام والسياسة ليست بجديدة، إذ تعود جذورها إلى زمن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والخلافة الإسلامية، إلا أن مصطلح “الإسلام السياسي” بمعناه الحديث ظهر في أوائل القرن العشرين بعد سقوط الخلافة العثمانية، وظهور الأنظمة القومية في العالم العربي والإسلامي، بالتزامن مع صعود الحركات الإسلامية ورواد الإصلاح الإسلامي، الذين سعوا إلى إعادة بناء نظام سياسي قائم على الشريعة الإسلامية.
ويُعتبر جمال الدين الأفغاني (1838-1897) من أوائل المفكرين المسلمين الذين طرحوا أفكاراً حول الإصلاح الإسلامي، ومقاومة الهيمنة الغربية. وعلى الرغم من أنه لم يستخدم مصطلح “الإسلام السياسي” على نحو مباشر، غير أنه رأى بأن الإسلام يمكن أن يكون قوة تحررية وسياسية فعّالة. وجاء من بعده تلميذه محمد عبده (1849-1905)، وقد ركز على الإصلاح الأخلاقي والاجتماعي دون الدعوة المباشرة إلى مفهوم الإسلام السياسي كما يُعرف اليوم. وبعد ذلك، جاء محمد رشيد رضا (1865-1935)، الذي كان من أوائل الداعين إلى الحكم الإسلامي، وتطبيق الشريعة كنظام سياسي، وترجم ذلك في كتابه “الخلافة أو الإمامة العظمى” (1923)، وشدد على ضرورة إعادة تأسيس الخلافة بعد سقوطها في عام 1924.
ومع تأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، قام الشيخ حسن البنا بكتابة العديد من الرسائل التي دعت إلى العودة إلى الإسلام كنظام شامل للحياة “رسائل الإمام الشهيد”، والتي تُعد من بين أبرز المؤلفات في الفكر السياسي الإسلاميالمعاصر.
من الكتب التي تناولت دور الإسلام في إدارة الدولة الحديثة:
وهناك مفكرون عرب ومسلمون آخرون كتبوا، ولكن ذكرت بعضاً من الأمثلة. وفي المقابل، كان أول من كتب عن مفهوم “الإسلام السياسي” من الغربيين هم المستشرقون الذين درسوا الحركات الإسلامية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ومن أبرز الأسماء في هذا الميدان:
وغيرهم من المعاصرين …
وهكذا، كان جمال الدين الأفغاني من الأوائل الذين طرحوا فكرة الإصلاح الإسلامي من منظور سياسي، حيث سعى إلى إحياء نظام سياسي إسلامي. كما تبلورت هذه الأفكار لاحقاً بجهود شخصيات بارزة مثل محمد رشيد رضا وحسن البنا. واكتملت جهود التأصيل لفكرة دور الإسلام في الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي الشامل من خلال مساهمات مفكرين كالسيد قطب وأبي الأعلى المودودي، بالإضافة إلى مفكرين مسلمين آخرين في القرن العشرين، وحتى العصر الحالي.
غير أن مصطلح “الإسلام السياسي” بحد ذاته هو مصطلح أطلقه مفكرون غربيون ومستشرقون على القوى والحركات الإسلامية التي بدأت بالظهور منذ عشرينيات القرن العشرين. وقد فسر معظمهم هذا الظهور كرد فعل على إخفاق الإدارات والنظم الحاكمة التي حكمت العالم العربي والإسلامي آنذاك، خاصة بعد سقوط الخلافة العثمانية. وقد اِعتبروا حركات مثل “الإخوان المسلمين”، و”الثورة الإيرانية”، و”حركة طالبان”، و”تنظيم الدولة” نماذج لهذه التيار. وقد رُوِّج لهذا المصطلح بشكل نقدي للتشكيك في قدرة الإسلام والحركات الإسلامية على إدارة الدولة الحديثة، وهي نظرة تبناها أيضاً عدد من تيارات الفكر القومي واليساري والعلماني العربي، وطالبت تلك التيارات ب “علمنة الدولة”، لتمثيل جميع الثقافات والأعراقوالإيديولوجيات داخل الدولة، كما في سورية والعراق والكويت ومصر والجزائر واليمن.
وفي الختام يمكن القول: شكلت العلاقة بين الدين والسياسة محوراً أساسياً للسجال في مراحل تأسيس الدول القُطرية بعد حقبة الاستعمار، إذ عانت هذه الدول من تحولات عميقة أثرت على هويتها، وعلى مفهوم المواطنة، ودور الدين في الحياة العامة. ومع بقاء العديد من هذه الدول تحت هيمنة أنظمة مستبدة، تستمر الإشكالات المتعلقة بالنظام الدستوري والسياسي في رسم المشهد حتى يومنا هذا، مما يجعل هذه القضايا حيوية وحاضرة في نقاشات المجتمعات العربية والإسلامية