الصبر .. فضيلة قرآنية وخُلق نبوي
د. علي محمد الصلابي
إن الصبر من أبرز الفضائل والأخلاق القرآنية التي عني بها الكتاب العزيز في سوره المكية والمدنية. يقول الإمام الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين): “ ذكر الله تعالى الصبر في القرآن في نيف وسبعين موضعاً“، وينقل العلامة ابن القيم في مدارج السالكين عن الإمام أحمد قوله: “الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعاً، ولا نعلم شيئاً ذكره الله تعالى هذا العدد إلا الصبر“. وترجع عناية القرآن البالغة بالصبر إلى قيمته العظيمة في الدين والأخلاق، فليس من الفضائل الثانوية أو المكمّلة، بل هو ضرورة لازمة للإنسان ليرقى مادياً ومعنوياً، ويسعد فردياً واجتماعياً، فلا ينتصر دين ولا تواجه الدنيا إلا بالصبر، فلا فلاح في الدنيا والآخرة إلا بالصبر، فالصبر ضرورة دنيوية كما هو ضرورة دينية، ولذلك شدد الله تعالى على ضرورة التحلي بالصبر، ووعد الصابرين بعونه ومدده، فقال الله تعالى: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [ الأنفال: 46]. (القرضاوي، الصبر في القرآن، صـ 12ـ 7).
والصبر ملاذ المؤمن الذي يحتمي به ويرجع إليه، وساق إيمانه الذي لا اعتماد له إلا عليها؛ فلا إيمان لمن لا صبر له، وإن من حُرم الصبر فذلك لضعف إيمانه ويقينه، وكثيرٌ من غير الصابرين إنما كانوا ممن يعبد الله على حرف، فإن أصابهمخير اطمأنوا به، وإن أصابتهم فتنة انقلبوا على وجههمفخسروا الدنيا والآخرة. فخيرُ عيشٍ أدركه السعداء بصبرهم، وترقوا إلى أعلى المنازل بشكرهم، فساروا بين جناحي الصبر والشكر إلى جنات النعيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. (ابن القيم، عدة الصابرين، 11 -13)
“وإن قدوتنا في هذا الخلق الرفيع وهذا الصرح المنيع هو رسولنا المكرم وأسوتنا المعظم ﷺ، فقد تحمل وصبر من أجل هداية الناس إلى الحق، واستعذب المرّ واستسهل الصعب، وتحمل أنواعاً من البلاء وأصنافاً من الضراء، حتى وصفه ربه بأنه ذو خلق عظيم، وهذه طائفة عطرة من أقوال المصطفى ﷺ في فضيلة الصبر والصابرين، فعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى ﷺ قال: “من يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر”. [رواه البخاري ومسلم]. وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله ﷺ قال: “من يرد الله به خيرًا يُصِبْ منه” أي يصيبه ببلاء. [رواه البخاري ومالك].
ومن أنواع الصَّبر:
فالتوكل على الله تعالى واحتساب الأجر يعدّان من الصبر أيضاً، كما أنّ الرضا بقضاء الله وقدره مطلوب من العبد؛ فيسلّم ويفوّض الأمر لله تعالى، ولا يتسخط أو يشكو من قضاء الله وقدره، ويعلم أنّ الله تعالى يعلم الأقدار وهي لا تظهر للعباد، وله الحكمة في كلّ أمر (جمال الدين الحنفي، أصول الدين، ص192 – 193).
– فضل الصبر:
أثنى الله سبحانه وتعالى على الصابرين بقوله: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 157]، فهم بذلك يستحقون صلاة الله تعالى عليهم وينالون رحمته وهدايته. كما ينال المسلم عند تخلّقه بالصبر الأجر العظيم، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10]، والمسلم الصابر حقيقٌ بنيل محبة الله سبحانه؛ لقوله تعالى:﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 146]
المراجع:
1- الصبر في القرآن، يوسف القرضاوي، مكتبة القاهرة، ط3، 1989م.
2- ابن قيم الجوزية، عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (الطبعة الأولى)، السعودية: دار علم الفوائد للنشر والتوزيع، بتصرف.
3- محمد الحسن الددو الشنقيطي، دروس للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي.
4- جمال الدين أحمد بن محمد بن سعيد الغزنوي الحنفي (1998م)، أصول الدين (الطبعة الأولى)، بيروت: دار البشائر الإسلامية.
5- محمد بن إبراهيم التويجري (2010م)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة (الطبعة الحادية عشر)، المملكة العربية السعودية: دار أصداء المجتمع.