
الشيخ د. سالم الشيخي
– خيركم خيركم لأهله –
حديثٌ وددتُ أن أعلقه أمام كلِّ زوج ليراه في كلِّ يوم، أعلقه أمام مدخل بيته، وحائط مكتبه، ومقود سيارته، أعلقه أمام كلِّ خطيب على المنبر يذكرنا بحقوق أهلنا وهو من الغافلين. إنّه قوله صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”، وفي رواية: ” أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا. وخيارُكم خيارُكم لنسائِهم.” هذا الحديث يُبطل تكراره على النفوس، والعمل به مع الأيام والليالي أثر النفاق العملي الأخلاقي والاختلال السلوكي الذي يعيشه كثير من الرجال في بيوتهم.
أولئك الرجال الذين يراهم الناس خارج بيوتهم، والبسمة والفرحة والبشاشة تعلو وجوههم، والكلمة الطيبة الحلوة الرقيقة العذبة على ألسنتهم، اللطف في معاملتهم، والرحمة في سلوكهم، والذوق عند أخذهم وعطائهم. من سُئل عنهم قال: “هؤلاء من خيارنا”، فإذا رجعوا إلى بيوتهم وزوجاتهم، لبسوا الثوب الحقيقي لأخلاقهم وسلوكهم ولبواطنهم ونفوسهم. فليس لزوجاتهم إلا الوجه العبوس المكشر، والجبين المقطب، والإطلالة المغمومة الكئيبة، والنظرة القاسية الكالحة، فإذا تكلموا، أسمعوهم السخرية والاستهزاء والتهكم بكلمات لا تليق. فإذا لم تصبر المرأة وتسكت وتعرض عن الجاهلين، فإنّ نصيبها عندئذ قد يصل إلى اللعن والشتم أو السب والذم أو حتى الكلمات القبيحة، فهذا جزاء من يجادل عن نفسه أو يطلب من الآخر أن يحترمه أو يقدره أو يكرمه.
رجالٌ لا رحمة لديهم على نسائهم، ولا إشفاق، ولا لطف، ولا عطف، ولا حنان، ولا مؤدة، ولا رفق إنما هي الغلظة والقسوة والفضاضة والعنف والخشونة.
رجالٌ إذا غضبوا، فغضبهم ليس لله، إنما هو لنفوسهم وبطونهم وكروشهم أو فروجهم، لا يأمرون بالمعروف، ولا يتلطفون في الموعظة، ولا يبحثون عن أحسن السبل في النصح والإرشاد، ولا يجادلون بالتي هي أحسن، ولا يُذكّرون بالله ولا باليوم الآخر.
إهمالٌ لكل معاني التواصل والارتباط الأسري مع زوجاتهم، لا يعرفون الجلوس والمؤانسة والألفة والاقتراب، ولا تطييب القلوب وجبر الخواطر، وإصلاح النفوس، ونحو ذلك من أخلاق المؤمنين. هؤلاء ينبغي وضع هذا الحديث أمامهم بخط عريض، لعلهم يعودون إلى الإيمان الحق والخلق النبويّ الشريف، ويتخلصون من آثار النفاق العملي، وتستوي بواطنهم وظواهرهم، فيكونون عندها من خيارنا، لأنهم خيار لأهلهم.
يقول الإمام الشوكاني – رحمه الله -: “فإنّ الأهل هم الأحقاء بالبِشْر وحسن الخلق والإحسان وجلب النفع ودفع الضر، فإذا كان الرجل كذلك فهو خير الناس، وإن كان على العكس من ذلك فهو في الجانب الآخر من الشر، وكثيرًا ما يقع الناس في هذه الورطة، فترى الرجل إذا لقي أهله كان أسوأ الناس أخلاقًا، وأشجعهم نفسًا، وأقلهم خيرًا، وإذا لقي غير الأهل من الأجانب لانت عريكته، وانبسطت أخلاقه، وجادت نفسه، وكثر خيره، ولا شك في أنّ من كان كذلك فهو محروم التوفيق، زائغ عن سواء الطريق، نسأل الله السلامة”.