الدكتور منير جمعة.
بقدر احتفاء القرآن بقيمة ما تكون أهميتها…
فلو كان أمر الزي واللباس أمرا شكليا لا يمس جوهر العلاقة بين المرء وربه لما تحدث القرآن عنه كثيرا؛ مرة بالأمر به ومرات بالنهي عن ضده وهو التبرج وإبداء الزينة لغير المحارم…!
من هذا المدخل يظهر بجلاء لكل متدبر أن الحجاب فريضة شرعية – بلا خلاف بين المسلمين – واجبة الاتباع ، كسائر أوامر الله – سبحانه وتعالى – ، نظرا لانعكاسها على سلوك الفرد والجماعة ولما فيها من فوائد عظيمة لا تخفى ،لعل من أهمها أن الحجاب ليس مجرد غطاء للرأس أو بعض الجسد…بل هو رمز لهوية الأمة في مواجهة تيارات وافدة تتبنى العري والتبذل….!
وقد حصر فقهاء المسلمين الشروط الواجب توافرها في الحجاب في ثمانية شروط هي :
1 – استيعاب جميع البدن إلا ما استثنى :
وذلك لقوله تعالى :” ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن” قال ابن جرير – بعد أن حكى الخلاف في ” إلا ما ظهر منها ؟ وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : ” عني بذلك الوجه والكفين ” وأيا ما كان الأمر ، فلا يصح لمسلمة أن تكشف من جسدها شيئا إلا الوجه والكفين ، فإن غطت المرأة وجهها وكفيها فحسن، ولا ينبغي التعصب لرأي واحد في المسائل الخلافية كلها ، فإن المختلف فيه لا أمر فيه ولا نهي فيه كما قال ابن القيم .
وكلا المرأتين على خير وهدى: المختمرة والمنتقبة معا! ( وانظر كتاب تحرير المرأة في عصر الرسالة لعبد الحليم أبي شقة )
2 – ألا يكون زينة في نفسه:
لعموم قوله تعالى: ” ولا يبدين زينتهن” فإنه يشمل الثياب الظاهرة إذا كانت مزينة تلفت أنظار الرجل إليها، ويشهد لذلك قوله تعالى: ” ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى”
والتبرج : ( أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها وما يجب عليه ستره مما تستدعي به شهوة الرجل ) والمقصود من الأمر بالجلباب إنما هو ستر زينة المرأة ، فلا يعقل حينئذ أن يكون الجلباب نفسه زينة .
3 – أن يكون صفيقا لا يشف :
لأن الستر لا يتحقق إلا به ، وأما الشفاف فيزيد المرأة فتنة وزينة ، وجاء في الحديث : ” سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات ، على رءوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإنهن ملعونات ” (رواه الطبراني بسند صحيح ) وزاد في رواية لمسلم “لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا”
وقد نقل السيوطي في شرح هذا الحديث قول ابن عبد البر، أراد – صلى الله عليه وسلم – النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر، فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة.
4 – أن يكون فضفاضا غير ضيق:
لا يصح للمرأة أن تلبس جلبابا ضيقا يصف حجم جسمها أو بعضه ويصوره في أعين الرجال ، فإن في ذلك من الفتنة وعدم الحياء ، وقد انتشرت هذه البلوى في زماننا هذا انتشارا كبيرا تقليدا لنساء الكفار، فأصبح كثير من المسلمات لا يتحرجن من الثياب الضيقة التي تصف النهود والخصور والسوق وغير ذلك ، وصدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين قال :” الحياء والإيمان قرنا جميعا ، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر” ( أخرجه الحاكم وغيره بسند صحيح )
وأما الدليل على هذا الشرط فحديث أسامة بن زيد : ” كساني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال ما لك لم تلبس القبطية قلت كسوتها امرأتي فقال مُرها فلتجعل تحتها غِلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها ” ( رواه أحمد والبيهقي) فقول النبي – صلى الله عليه وسلم- : ” فإني أخاف أن تصف حجم عظامها ” يدل على تحريم الثياب التي تصف بدن المرأة .
5 – ألا يكون مطيبا معطرا:
فقد وردت أحاديث كثيرة تنهى النساء عن التطيب إذا خرجن من بيوتهن ، ومنه :
أ – ” إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيبا” ( رواه مسلم )
ب –أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية ” ( رواه النسائي وغيره بسند صحيح )
وقد ذكر الهيثمي في الزواجر أن خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة من الكبائر ولو أذن لها زوجها ، ولا شك أن تعطر المرأة محظور لما فيه من تحريك دواعي الشهوة .
6 – ألا يشبه لباس الرجل :
وذلك لما ورد في لعن المرأة التي تتشبه بالرجل في اللباس أو غيره ، ومنها :
1 – ” لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل ” ( رواه أبو داود واحمد والحاكم وصححه الألباني)
2 – ” لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء” ( رواه البخاري ) وقد أورد الذهبي تشبه المرأة بالرجال في الكبائر.
7 – ألا يشبه لباس الكافرات :
فقد نهى الله تعالى أن نتشبه بالكفار ، فقال سبحانه :” ومن يتولهم منكم فإنه منهم ” وجاء ذلك في أحاديث كثيرة منها : ” عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عليّ ثوبين معصفرين فقال إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها ” ( رواه مسلم )
قال الصنعاني في سبل السلام ( والحديث دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم ، أو الكفار أو المبتدعة في أي شئ مما يختصون به من ملبوس أو مركوب أو هيئة)
8 – ألا يكون لباس شهرة :
وذلك لحديث : ” من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه نارا ” ( رواه أبو داود وابن ماجة) وقال الشوكاني : (رجال إسناده ثقات)
وثوب الشهرة : كل ثوب يقصد به الاشتهار بين الناس سواء كان نفيسا يلبسه تفاخرا بالدنيا وزينتها أو خسيسا يلبسه إظهارا للزهد والرياء.