عام

خمسة وأربعون استنباطًا من حديث العشر

*موسوعة معالم الاجتهاد في فقه العصر*
*أ.د. فضل عبد الله مراد*

«عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -:
“مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ”،
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟
قَالَ: “وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ”

وقد تأملت في هذا الحديث الصحيح، فاستنبطت منه خمسة وأربعين فائدة من الفقه، والأصول، والمقاصد، والفضائل، والعقائد،
وثم من العلماء من استنبط منه، وإمكان الاتفاق على عدد منها لا شك فيه، لكن هذا ما ظهر لي من الحديث، والله أعلم:

🔷 1- فيه أن الفضل يشمل يوم العيد؛ فالعمل الصالح فيه أحب إلى الله لأنه من العشر وآخرها، والناس يغفلون عن ذلك.

🔷 2- فيه أن هذه العشر أفضل أيام الله من حيث العمل الصالح.

🔷 3- فيه تفاضل الأعمال الصالحة عند الله، وتفاضل الأيام.

🔷 4- فيه أن الأعمال الصالحة تفضل بزمانها.

🔷 5- فيه أنه ينبغي على المؤمن أن لا يغفل عن هذه الأيام؛ لأن حب المؤمن متعلق بما يحبه الله، كيف وهذا العمل أحب عمل إليه لا يوازيه عمل..

🔷 6- فيه رحمة الله بعباده حيث جعل لهم مواسم للطاعات، وفتح لهم الفرص السانحة للقربات.

🔷 7- فيه أن أيام العشر في العمل الصالح أفضل من أيام رمضان والعشر الأواخر وليلة القدر، وما قاله ابن تيمية من أن ليالي العشر الأواخر أفضل لوجود ليلة القدر ضعيف مصادم للدليل الصريح في أفضيلة أيام العشر.

🔷 8- فيه أن الفضل في هذه العشر شامل لياليها، ولا دليل على اختصاص النهار بالفضل لأن اليوم يطلق على اليوم والليلة،
وهذا واضح في القرآن والسنة واللسان، كقوله تعالى:
{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي ‌أَيَّامٍ ‌مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] أي: أيام منى وهي شاملة لليل والنهار بلا ريب.
وقوله تعالى: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام} [هود: 65] ومنه قوله تعالى: {آيتك ألا تكلم الناس ‌ثلاثة ‌أيام ‌إلا ‌رمزا} [آل عمران: 41] وهذا شامل لليل والنهار.
{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي ‌الْأَيَّامِ ‌الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24] أما قوله تعالى {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ ‌أَيَّامٍ ‌حُسُومًا} [الحاقة: 7] فلأن نهار اليوم الثامن دخل وتوقف العذاب في الليل، لأنه بدأ نهارًا مدة ثمانية أيام وتوقف عند الغروب فلم تدخل الليلة التالية،
وهذا تفصيل قرآني يدل على أنه منزل بعلم الله سبحانه وتعالى،
وقد أطلق الله سبحانه الليالي على الأيام في موضع آخر في قصة عاد نفسها فقال:
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا ‌فِي ‌أَيَّامٍ ‌نَحِسَاتٍ…} [فصلت: 16] فقال سبحانه: “أيام نحسات” ومعلوم دخول الليل فيها.

🔷 9- فيه أن صلاة الفريضة في العشر أحب من غيرها.

🔷 10- فيه أن العمرة في العشر أفضل من العمرة في غيرها.

🔷 11- فيه حب الله للعمل الصالح وبغضه لعمل السيئات.

🔷 12- فيه فرصة سانحة لمن كان عند البيت المحرم أو في مسجد المدينة أو الأقصى، حيث تضاعف الأعمال في العشر لاجتماع المضاعفة بسبب المكان بمئة ألف صلاة، وكونها في العشر.

🔷 13- فيه أن النوافل في العشر أفضل من غيرها.

🔷 14- فيه أن أفضل الأعمال الجهاد في سبيل الله، وكان ذلك متقررًا عند الصحابة، لذلك سألوا رسول الله: “ولا الجهاد؟” فأقرهم.

🔷 15- فيه أن العمل الصالح في العشر يفوق الجهاد في غيرها.

🔷 16- فيه أن من استشهد في سبيل الله أفضل عند الله من أي عمل صالح ولو كان في العشر.

🔷 17- فيه أن جهاد العدو في العشر من ذي الحجة بشروطه يكون حينئذ أفضل الأعمال استشهد أم لا.

🔷 18- فيه أن الخروج بالنفس والمال أعظم الجهاد في سبيل الله.

🔷 19- فيه أن صيام كفارة المحظورات أو التمتع لمن لم يقدر على الهدي أفضله في العشر.

🔷 20- فيه أن الأزمنة ليست سواء، فهناك أزمنة مباركة أفضل من غيرها.

🔷 21- فيه أن من عليه قضاء رمضان قضاه في هذه العشر فهو أحب؛ لذلك كان يفتي به عمر.

🔷 22- فيه إثبات صفة المحبة لله صفة تليق به سبحانه.

🔷 23- فيه أن صوم عرفة له فضيلتان:

الأولى: أنه عمل صالح في العشر

الثانية: أنه يكفر ذنوب سنتين.

🔷 24- فيه أن المعاصي في هذه الأيام يعظم قبحها؛ لأنها أيام اختصها الله للصالحات.

🔷 25- فيها مندوبية الإكثار والتنويع من العمل الصالح في هذه العشر فرضًا ونفلًا؛ لأن بالإكثار والتنويع تكثر الفضائل.

🔷 26- فيه خصوصية عظيمة للإكثار من ذكر الله في هذه العشر للنص عليه في الحديث الصحيح:
(فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ)

🔷 27- فيه مشروعية الجهر والسر بالتكبير والتهليل فرادى وجماعات في هذه العشر؛ لأنه عمل صالح،
ومن زعم اقتصار ذلك على هيئة معينة لزمه الدليل على المنع.
وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة كانا يكبران في العشر،
قال البخاري:
«وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما،
وكبر محمد بن علي خلف النافلة».

🔷 28- فيه أن ذبح الأضحية يوم العيد أفضل من ثانيه وبقية أيام التشريق؛ لأن الأضحية عمل صالح والعيد من العشر.

🔷 29- فيه فضل صلاة العيد والتكبير فيه وصلة الأرحام فيه وتفقد المساكين والجيران؛ لأن العيد آخر أيام العشر وهذه من الأعمال الصالحة، فتكون أحب إلى الله.

🔷 30- فيه أن الفطر للحاج أفضل وأحب إلى الله من الصوم؛ لأن أعمال الحج ومناسكه والدعاء والوقوف هي نسكه المتعين،
والصوم وإن كان من العمل الصالح، إلا أنه يضعف الحاج عن أعمال الحج التي هي مشروعة على وجه الخصوص له،
ولذلك أفطر النبي عليه الصلاة والسلام بعرفة، وثبت عن الخلفاء بعده، وثبت عن عثمان الصوم.

🔷 31- فيه عظيم منزلة الحج وأعماله؛ لأن الله خصص له العشر التي العمل الصالح فيها أحب إليه.

🔷 32- فيه أن يوم عيد الأضحى أفضل في العمل الصالح من يوم عيد الفطر.

🔷 33- فيه أن الأعمال الفاضلة إذا تزاحمت قدم التكليف المتعلق بالوقت وكان أفضل؛ لذلك كان الفطر للحاج أفضل من الصيام يوم عرفة.

🔷 34- فيه أن إتمام مناسك الحج وطواف الإفاضة يوم العيد أفضل من تأخيره؛ إدراكًا لفضل العشر، ولذلك أكمل رسول الله حجه وتحلل يوم العيد، وصلى الظهر بمنى بعد طواف الإفاضة.

🔷 35- فيه أن اجتماع العبادات يضاعف الفضيلة؛ لذلك اجتمع في العشر الحج، والصوم، والعيد، والصلاة، والأضحية، وذكر الله كثيرًا.

🔷 36- فيه أن الأيام الفاضلة يستحب حث الناس على استغلالها والتنبيه عليها؛ لذلك حث النبي ﷺ أصحابه على ذلك.

🔷 37- فيه السؤال عن إشكال التعارض، فقد سأل الصحابة النبي ﷺ عن تعارض العمل في العشر مع فضل الجهاد.

🔷 38- فيه أن “ما” النافية وما في سياقها من النكرة من ألفاظ العموم.

🔷 39- فيه أن العام يبقى على عمومه ويخرج عنه ما استثني؛ لأن النبي ﷺ استثنى المجاهد الذي استشهد وذهب ماله، فهذا أفضل من العمل الصالح في العشر، ويبقى العموم فيما سواه كما هو، لا يغيره هذا التخصيص ولا يضعفه،
فيدل أن من زعم خلاف ذلك من الأصوليين قوله ضعيف.

🔷 40- فيه تقديم مقصد حفظ النفس على غيره في الرتبة؛ لذلك كان الجهاد في سبيل الله أعظم الأعمال مطلقًا،
ولما كان العمل في العشر لا يفضله عمل إلا من استشهد في سبيل الله دل على عظمة مقصد حفظ النفس،
فلما أطاع الله في أعظم مقصد جاءت الشريعة لحفظه نال أعظم مرتبة حتى على العمل في العشر.

🔷 41- فيه حل إشكال التعارض.

🔷 42- فيه أن العمل يشمل القول والفعل.

🔷 43- فيه أن “ال” في المفرد تدل على العموم، وهذا ما فهمه الصحابة من جملة (العمل الصالح).

🔷 44- فيه أن الصدقة الجارية بعد الموت من وقف أو تعليم علم أحبها إلى الله في هذه العشر؛ فمن أراد وقفا أو نشر علم أو تأليفه أو تدريسه، فهذه العشر أفضل.

🔷 45- فيه أن من أهم الوسائل التعليمية السؤال والجواب بين الشيخ والطالب.

*أ.د. فضل عبد الله مراد*

الأمين العام المساعد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة جامعة قطر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى