ربيع الأول” مَوسِمٌ نبوِيّ!
بقلم / وليد المغربي
ها قد أقبل علينا شهر ربيع الأول، الذي هو شهر نبويٌّ خالص، فيه ولد الحبيب ﷺ، وفيه بُعِث وأوحي إليه، وفيه هاجر، وفيه انتقل إلى الرّفيق الأعلى، فالشّهر كلّه متعلق برسول الله ﷺ.
لهذا الشهرِ في الإسلام فضلٌ
ومنقبةٌ تفوق على الشّهورِ!
فمولودٌ به، واسمٌ ومعنى
وآيات بَهرن لدى الظّهورِ
ربيعٌ في ربيعٍ في ربيع
ونورٌ فوقَ نورٍ فوَق نورِ!
شهرٌ تتطلع فيه نفوس المحبّين؛ لتجديد العهد، مع نبيهم الكريم ﷺ، محبةً واتّباعًا ومعرفةً واقتداءً ونُصرة!.
﴿قل بفضلِ الله وبرحمتِه فبذلك فليفرحُوا هو خيرٌ ممَّا يجمعون!﴾
إنها أيام من أيام الله تعالى، ينبغي أن نتذكّرها، ونذكّرَ بها
﴿وذكّرهم بأيامِ الله﴾
لا ريبَ أنّ شهر ربيع الأول هو موسمٌ نبويٌّ مبارك، فيه من أيام الله الجلِيلة ما فيه!.
· يوم المولد المبارك.
· وفيه أُوحي إليه (الرّؤيا الصادقة)
· وكانت فيه الهجرة
· وفيه ارتقى الحبيب الأعظم للرّفيق الأعلى.
أما المولد والمَبعث فهُما يومان شريفان عظيمان، يدرك ذلك مَن علمَ أنّ البشريّة كانت في تيهٍ وحيرة، تنتظر ظهور ذلك النّبي الكريم، وتتطلّع لمبعثه، حتى تتصل الأرض بالسّماء، وتعود البشرية للرّشد، وكانت الأحبار والرهبان، وبقية من كانوا على الحنفيّة يتطلعون لذلك النّبي المبعوث ﴿الذي يجدُونه مكتوبًا عندهم في التّوراةِ والإنجيل﴾ ويعرفون علاماته وأين يظهر، فبُعث النّبيّ ﷺ مبشرًا ومنذرًا ونورًا ﴿يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدًا ومُبشّرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسِراجًا مُنيرًا!﴾ لينتشل العالمين مما هم فيه من ضلال وشرك وحَيْرة.
ولقد أُوحي إليه في ربيع الأول، وكان أول ما أُوحي إليه الرّؤيا الصادقة كما تقول أمّنا الصديقة عائشة رضي الله عنها، ورؤيا الأنبياء وَحْي، كفلقِ الصبح.
أما يوم ميلاده، فقد علّمنا شرفَه رسولُ الله ﷺ، فشَرع لنا فيه الصّيام شكرًا لله تعالى، فقال عندما سئل عن صيامه: “ذلك يوم ولدت فيه”، وأصبح صومه سنةً يصومه المسلمون اتباعًا لرسولهم، وتذكرة بيوم ميلاده الشريف، ولا ضير فقد اكتست الأرض بالأنوار، واهتزت وطربت، وازيّنت واشرأبت النفوس لمطلع النّور، جاء في مسند الإمام أحمد، وصححه ابن حبان والحاكم أن رسول الله ﷺ وسلم قال: “ورؤيا أمِّي الَّتي رأَتْ حينَ وضَعَتْني أنَّه خرَج منها نورٌ أضاءَتْ لها منه قصورُ الشَّام” هذا غير ما رُوي في كتب المغازي والسير، وكانت حادثةُ الفيل إرهاصًا للميلاد العظيم.
ولد الهدى فالكائنات ضياءُ
وفمُ الزّمانِ تبسمٌ وثناءُ
وكانت في ربيع الأنور الهجرة النبوية، التي كانت من أعظم أيام الله، وقامت بذلك دولة الرسول ﷺ وحكومته، وانطلقت بعد ذلك الغزوات والفتوحات، لتحطيم الشرك، وهدم الحواجز التي كانت تحولُ بين الناس ودعوة الإسلام، وفي هذا الشهر الكريم كان انتقال النّبيّ ﷺ للرّفيق الأعلى، واختار فيه جوار ربّه وخليله، وكانت وفاته حدثًا مجلجلًا ومصيبة عُظمى، وأثرًا بالغًا على أصحابه الكرام، والأمة من بعده، ومع ذلك فقد تجلّت في وفاتِه الرّحمة، وكانت خيرًا للمسلمين كما كانت حياته خيرًا وبركة، ظهرت في وفاته رحمتُه التي اتّسعت للعالمين، ﴿وما أرسلناكَ إلا رحمةً للعالمين!﴾، وهاكَ حديثًا جليلا ترى من خلاله كيف تجلّت رحمتُه حتى في وفاته بأبي هو وأمي، جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم، أنه ﷺ قال: “إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ إذا أرادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِن عِبادِهِ، قَبَضَ نَبِيَّها قَبْلَها، فَجَعَلَهُ لها فَرَطًا وسَلَفًا بيْنَ يَدَيْها، وإذا أرادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ، عَذَّبَها ونَبِيُّها حَيٌّ، فأهْلَكَها وهو يَنْظُرُ، فأقَرَّ عَيْنَهُ بهَلَكَتِها حِينَ كَذَّبُوهُ وعَصَوْا أمْرَهُ”
وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنّ رسول الله ﷺ قال: “حياتي خيرٌ لكم تُحدثون ويُحدث لكم، ووفاتي خيرٌ لكم، تعرَضُ عليَّ أعمالُكم، فما رأيت من خيرٍ حمدتُ الله وما رأيت من شرٍّ استغفرتُ لكم!” روي بإسناد جيد، ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي وصححه السيوطي.
نتذكر هذه الرحمة الواسعة، وبأنّه ﷺ سلفٌ و فرَطٌ لنا، قد سَبقنا، وتُعرض عليه أعمالنا فيستغفر لنا!.
وبأنّه ما قُبِض حتى تركنا على المحجّة البيضاء، والملّة السّمحاء، وترك لنّا الدّين كاملًا لا نقصَ فيه، ظاهرًا على الدين كلّه!.
وتلك نعمة من أجلّ النّعم!
فهذه أيامٌ جُلّى من أيام الله تعالى في هذا الشّهر الحبيب!
ينبغي للمسلم الصّادق، والمحبّ الوَامق أن يقف عندها، ويتطلّع لنفحاتها، ويكون هذا التّعرض، بمراجعة أنفسنا، وعرض حياتنا على حياة القدوة الحسنة، رسولِ الله ﷺ إن كنّا نرجو الله واليوم الآخر! ﴿ لقد كان لكم في رسولِ الله إسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو اللهَ واليومَ الآخرَ وذكرَ الله كثيرًا﴾، ونذكر أخلاق وصفات المؤمنين التي أُمرنا بها في القرآن الكريم، وأنها على التّمام والكمال في رسول الله ﷺ لأنّ خُلقَه القرآن، وكان قرآنا يمشي!
نتعرف على أخلاقه المُنِيفة؟، وكيف كان تعامله مع ربّه سبحانه؟، ومع أهله ومع الناس أجمعين؟، كيف كان نومه ويقظته؟، وعبادته وجهاده؟، وتبسّمه، وطعامه وشرابه؟، حتى نتّبعه حقّ الاتّباع، وذلك من كمال المحبة لله تعالى ولرسوله ﷺ ﴿قل إن كنتم تحبونَ اللهَ فاتّبعوني يُحببْكمُ الله﴾
وذلك باقتفاء أثره، واتّباع سنته، ونشرها!
وكمالُ المحبة والاتّباع لا يكون إلا بالمعرفة.
إن قراءة سيرته وشمائله؛ صفاته “الخَلقيّة، والخُلقيّة” تُعرّفنا إلى صاحب الخُلق العظيم، والنّبيّ الكريم كأنّه بين أيدينا، ومرأى أعيننا، فالصحابة الكرام، رَووا أفعاله وأقواله، وصفاته، بل وسكتاته، وحتى عدد شعرات الشّيب في رأسه الشّريف!
وما ذلك إلا لكمال محبّتهم، وفرطِ تعلّقهم به ﷺ.
وقد احْتفى العلماء بهذا الشهر عامةً، وبيوم المولد خاصةً؛ لأنه أصلٌ لِما بعده، وسنُّوا فيه قراءة سيرته وشمائله، وتدبيج المدائح له، ونشرها بين الناس، تذكرةً وموعظةً، فهو ليس حدثًا عابرًا ولكنّها أيام عظيمة، تحيي القلوب، وتبهج النّفوس!.
وتآليفهم ومصنفاتهم التي تُقرأ في هذا الشهر وغيره كثيرة، ألّفها أئمةٌ من المتّقدمين والمتأخرين، من الفقهاء والمحدثين والمقرئين…
ومن أعظم التآليف فيها “الشّمائل المحمدية” للإمام أبي عيسى التّرمذي صاحب السّنن، و تأليف الإمام القاضي عياض اليَحصبي، “الشّفا بتعريف حقوق المصطفى”، ومصنفاتهم التي تحدثت عن المولد خاصةً كمثل مُصنّفِ الإمام الحافظ زين الدين العراقي” المورد الهَني في المولد السَّني”، وما كتبَ الإمام المقرئ المحدث ابن الجَزرِي “عَرْفُ التّعريف بالمولد الشّريف”، وكتاب العلامة علي الملا القاري “المَورد الرَّوي في المولد النّبوي”، وقصّة المولد للعلامة الطاهر ابن عاشور وغير ذلك كثير نافع.
فحريٌّ بنا أن تكون لنا قراءة مُطوّلة ومستمرّة في شمائل النبي ﷺ وسيرته، لأنها التّطبيق العمليّ للإسلام، وتعليمها للأولاد والأهل جميعا، ونشرها بين الناس، وخاصة في هذا الشهر المبارك شهر ربيع الأول؛ لنكون قد تذكّرنا أيام الله حقّ التّذكر، وتطلّعنا لنفحات الدّهر كأحسن ما يكون، عسانا أن نحُسن الاتّباع، ونقتفي الآثار، ونتنسّم العبير، لنكون مِن حملة رسالة الرسول ﷺ، ورافعي لوائه، وناصري دينه، حتى ننال شفاعته، ونرِدَ حوضه، ونحشر في زمرته!.
﴿لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾
وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.