شيء من متشابه القرآن
الدكتور محمد خليل الزروق
قوله تعالى في سورة البقرة: (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله)، يشبهه في سورة آل عمران قوله: (وإن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله).
فمع العلم قدم الإخفاء، لأن العلم بالـمُخفَى أبلغ، ومع المحاسبة قدم الإبداء، لأن المحاسبة على الـمُبدَى أولى.
وجعل ذلك في سورة البقرة في الأنفس، وفي سورة آل عمران في الصدور، لأن آية سورة البقرة جاءت بعد الأحكام ومنها آية المداينة، وسورة آل عمران في الأصول والمجاهدة والتزكية، وكينونة الشيء في النفس أقرب من كينونته في الصدر، وقد جعل في آيات أخر الإسرار والإخفاء والإكنان والحرج والقول في النفس، وجعل الغل ووسوسة الشيطان والآيات في الصدر، ووصف الله نفسه في آيات كثيرة بأنه (عليم بذات الصدور)، لا بما في النفوس، وعلمه بما في الصدور يتضمن علمه بما في القلوب، وما في القلب أدخل مما في الصدر، لأن القلوب في الصدور، كما في آية الحج، وقال في هذه السورة: (وليبتلي الله ما صدوركم وليمحص ما في قلوبكم)، فالابتلاء الاختبار، والتمحيص التنقية، فما في الصدر العزم والنية، وما في القلب الإيمان والتقوى، كما قال: (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى).
وإذا ذكر الصدر وحده شمل القلب، ولذلك يكون كل هذا مما يُحصَّل يوم القيامة، وذلك قوله: (وحُصِّل ما في الصدور).
وهذا كله من اصطلاح القرآن، وهو يراعي أصول الكلم ومجمل ما تدور عليه استعمالاتها، وأما العرب -ولا سيما كلما تأخر بهم الزمن- فلا يفرقون إلا قليلًا بين المتقاربات والمترادفات، وتفريقهم في أسماء الأشياء أكثر من تفريقهم في أسماء المعاني.