في اليوم العالمي للغة العربية؛ الواقع والمستقبل
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ اللّغة هي الوعاء الأساسي الذي يحتوي على العلوم، والتّكنولوجيا، والثّقافة، والتّاريخ، والحضارة، والهوية، والمشاعر، وهذا أمر عام لا يختص به قوم دون قوم، ولا مكان دون مكان؛ وفي العالم اليوم مئات بل آلاف اللغات، ولكن هناك لغات ست تعترف بها الأمم المتحدة، ومنها اللغة العربية.
وفي هذا الأسبوع تأتي مناسبة اليوم العالمي للغة العربية، فنتذكّر كيف حالنا مع لغتنا الجميلة التي وصفها حافظ إبراهيم بلسانها قائلا:
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ فَهَل سَاءلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
هذه اللغة التي تعتبر من أقدم اللغات، إن لم تكن أقدمها على الإطلاق، مع استمرارها بالقوة ذاتها، ولا يزال يتحدث بها الملايين في العالمين العربي والإسلامي، كما أنها من ضمن ست لغات اعترفت بها منظمة اليونسكو، حيث اعتُمدت في عام 1973م، كما أعلنت منظمة اليونسكو بتاريخ 14/12/2021م إدراج الخط العربي في قائمة التراث الثقافي غير المادي، بالإضافة إلى أنها تحتل المرتبة الرابعة باعتبار مجمل معايير الترتيب العالمي للألسنة.
في عام (2006م) أصدرت منظمة “اليونسكو” قائمة بحوالي (300) لغة انقرضت تمامًا في القرن العشرين، بعد أن كانت تتداول على ألسنة الناطقين بها، فهل يمكن أن تتعرض لغتنا العربية للمصير ذاته أم أن هناك عوامل تمنع من ذلك؟
لا شك أننا نؤمن أن هذه اللغة باقية ما بقي دين الإسلام وكتابه الكريم كلام الله القرآن الكريم الذي تعهد الله بحفظه، {إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ}، كما أن هناك من العوامل التي تساعد على بقاء هذه اللغة من صفات وإمكانات واسعة تجعلها اللغة الخالدة، فعدد حروفها أكثر من أي لغة أخرى، فحروف اللغة الفينيقية الكنعانية والآرامية والعبرية “22” حرفًا، واللاتينية “23” حرفًا، واليونانية “24” حرفًا، والإنكليزية “26” حرفًا بينما تفردت العربية بـ “28” حرفاً، وهذا يدل على زيادة المبنى والتي تفضي إلى زيادة المعنى، وهذا ما يؤكده عدد كلمات المعاجم باللغات المختلفة، فمثلا يشتمل المعجم الروسي على (130,000) كلمة، فيما يحتوي المعجم الفرنسي على (150,000) كلمة. أما المعجم الإنكليزي فتصل عدد كلماته إلى 600 ألف كلمة بحسب روبرت كليبورن، أما معجم اللغة العربية فيضم أكثر من 12 مليون كلمة بحسب شوقي حمادة. كما أن ثراءها يظهر جليا في الترجمة الهائلة للكتب الإغريقية والفارسية والهندية إلى العربية في مختلف العلوم.
تعتبر اللغة العربية من أكثر اللغات المنتشرة في أنحاء العالم، حيث يتحدّث بها أكثر من 422 مليون شخص، فهي اللغة الأساس في وطننا العربيّ، ويتحدثّ بها أيضاً في كلٍّ من (السنغال، إرتيريا، مالي، تشاد، تركيا، الأحواز) وغيرها من دول العالم الإسلامي.
مع كل هذا فإن لغتنا تواجه عدة عقبات من الضروري إدراكها والعمل على تجاوزها، وتتمثل في ضعف استخدامها في الجوانب العلمية الحديثة نظرا لضعف البحث العلمي في العالم العربي، وبالرغم من أنها لغة استطاعت استيعاب أبلغ المعاني وأقدسها، وكما قال حافظ إبراهيم في قصيدته متحدثا على لسان اللغة العربية:
وَسِــعتُ كِتـــابَ اللَهِ لَفــظاً وَغـــايَةً وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَـةٍ وَتَنســيقِ أَسمــــاءٍ لِمُختَرَعاتِ
وهو أمر يحتاج من أهل الاختصاص وكل المهتمين بشأن اللغة العربية، وكل أصحاب الاختصاصات العلمية المختلفة، إلى العمل على استعمال اللغة العربية سواء بالترجمة إليها أو الاختراع ووسمه بِسِمَتها، ولابد أن ندرك أنها مسؤوليتنا جميعا للدفع بهذه اللغة لتكون الأولى في العالم وقد كانت في يوم من الأيام.