عاممقالاتمقالات تربوية

قصة قابيل وهابيل: دروسٌ في الأخلاق والتربية

أ. محمد العوامي

{…كَيْفَ يُوَارِي سَوأَةَ أَخِيهِ….}

إن القرآن الكريم قص علينا قصص الأنبياء والأولين لنأخذ منها العبرة والعظة، ومن قصص القرآن قصة قابيل وهابيل ابني آدم، حين قربا قربانًا فتقبله الله من هابيل ولم يتقبله من قابيل فقتله؛
{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة (31)].

والقصة مليئة بالدروس والعبر، ولكنني أريد التوقف فقط عند درس “فأواري سوأة أخي”، وتفسيرها أنه بعد قتله لأخيه بعث الله غرابًا ليعلمه كيف يدفن جثمان أخيه. فقتل غرابًا آخر وقام بالحفر في الأرض ليدفنه، وقيل قام بالحفر إلى جوار جثة أخيه ليعلمه كيف يواري جثته بالدفن، ففعل.

ونستفيد من هذه القصة:

✔️ التعلم: ليس شرطًا أن تتعلم من الأستاذ، وليس مهمًا من أين تأتي المعرفة النافعة، فقد نتعلم من الحيوان مثل هذا الغراب الأسود ما يصلح أخلاقنا. مهما بلغت من علم ومعرفة فهو قليل، وما يدريك لعلك لا تنال بعض العلم إلا من مخلوق حقير. تعلم من الجميع، وتعلم ممن حولك، فليس شرطًا أن تتعلم من أستاذك فقط.

✔️ درس الأخوة: تعلمنا من هذه الحادثة أهمية الأخوة وستر الأخ لأخيه في سقطاته وهفواته. طبيعة الأخوة تقتضي القرب ومعرفة أشياء عن أخيك لا يعرفها الأباعد عنه، وكل منا له سقطاته الأخلاقية، وهفواته ومعاصيه في جنب الله. التآخي يلزم منه دخول البيوت والاطلاع على عوراتها من أثاث وطعام وحاجات لا يحب أصحابها أن يعرفها الناس عنهم، فيجب سترها وتغطيتها وعدم إخراجها للناس، خاصة عند الاختلاف والخصومة. وكذلك الأسرار والأمور الخاصة التي اؤتمنت عليها، فالحديث أمانة.

✔️ الستر: ستر العيوب بين الأزواج هو خلق صار نادر الوجود، خاصة عند الخصومة والانفصال. يجب على الزوجين ستر عيوب الآخر عن عائلة كل منهما وعدم فضحها أو كشفها حتى في حالة الانفصال، حتى لو كان ما يقوله كل طرف عن الآخر صحيحًا – لكنه يوغر الصدور ويؤجج العداوات ويقطع الأرحام ويدفع الأولاد ثمنه. هذا لا يعبر عن أخلاق الإسلام وحسن العشرة بين الأزواج والإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان.

✔️ الحسد: يحذرنا من مخاطر الحسد، وكيف يمكن أن يفسد العلاقات ويؤدي إلى الجرائم.

✔️ ستر ومواراة جراحات أهل غزة: أعظم كل ألوان الستر والمواراة والمداواة الواجبة على كل مسلم، بل على كل إنسان، هو ستر ومساعدة ومؤازرة أهلنا وإخواننا المستضعفين في غزة. نحن نتابع مشاهد الأطفال الذين يصرخون جوعًا في غزة، والمرأة التي سلّط عليها كلب مفترس لينهشها لتترك بيتها، فأصابها وأرعبها. ستر جوع الحي أولى من ستر جثمان الميت، وتأمين الحي الخائف أولى من إقبار جثمان الميت حتى لا نكون جميعًا من النادمين.

إنّ درس “فأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي” درسٌ عظيمٌ يُعلّمنا أهمية الستر والمواراة والرحمة والشفقة، ويُحثّنا على الندم والتوبة من الذنوب

**مأخوذ بعضها من خطبة الجمعة للدكتور خالد حنفي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى