كم نحن محتاجون إلى شهر رمضان للتغيير؟
أ. فرحات الهوني
قد تكلم العلماء والفقهاء من السلف والخلف عن وجوب صوم رمضان وسننه ومستحباته ومكروهاته ومبطلاته، وتكلم أيضاً علماء السلوك عن كيفية الارتقاء والسمو الروحي في هذا الشهر الفضيل، ولم يتركوا شيئًا يخص هذا الشهر إلا وتكلموا فيه بالتفصيل، ولكن السؤال ماذا استفدنا نحن من هذا الموروث العلمي؟
في الحديث الذي رواه الطبراني عن محمد بن مسلمة الأنصاري: “ألا إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها”، ويقول الشيخ محمد الغزالي ـ رحمه الله تعالى ـ “إن في حياة المسلم مفاصل مهمة للتغيير” وقد ذكر منها الشيخ ـ رحمه الله ـ شهر رمضان.
وفي سياق ما رواه الطبراني وما ذكره الشيخ الغزالي ـ رحمهما الله ـ أن في شهر رمضان كان يمني فيه المسلم نفسه دائمًا بالتغيّر إلى الأفضل، وأن يجتهد في الاستفادة من هذا الموسم بالمزيد من الطاعات، وهذه حقيقة ونذكر عندما كنا صغارًا نعلق كل أمورنا التعبدية والاستقامة إلى أن يأتي شهر رمضان ونعزم على الجد فيه والانضباط في أداء شعائره، فيذهب رمضان ونجدد العزم إلى رمضان المقبل وهكذا.
اكتفينا بالصيام عن الطعام والشرب والتحرز من عدم الاقتراب من أي شيء يفطر، واجتهدنا في ختمة القرآن مرتين أو ثلاثًا والمحافظة على الصلاة في المسجد والحرص الشديد على صلاة التراويح خلف الصوت الحسن ولو بيننا وبينه مسافات.
هذا طيب وجميل وحرص مأجور عليه إن شاء الله، ولكن لا نذهب بعيداً، ماذا عن أنفسنا التي بين جنبينا التي تخوض مع الخائضين؟، هل يذهب رمضان تلو رمضان ومازلنا صغارًا نمني أنفسنا بالتغيير ويبقى السلوك الإيجابي لم يتطور والسلوك السلبي لم نتخلَّ عنه؟
عندما نريد الاستعداد إلى رمضان ونتفقد النواقص واحتياجاتنا المعيشة من الأكل والشرب، أيضًا نتفقد النواقص واحتياجاتنا النفسية والسلوكية التي تحتاج إلى التطوير أو التطهير النفسي والسلوكي.
النفس مناط التغيير للإنسان، ورمضان موسم مهم للارتقاء بها إلى التي هي أحسن، ونحن دعاة تغيير فلا ندخل إلى دائرة المقت عند الله أن نقول ما لا نفعل، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [سورة الصف]، إذا لم نبلغ الكمال نقترب منها، ولا يكلف الله نفسًا للتغيير إلا وسعها وعلى هذا يحاسبنا الغفور الرحيم.
لا تنتظر حلول رمضان لتخلق تغييرًا، جاهد قلبك وروّضه من الآن، حتى إذا ما حلّت نسائمه الشريفة تكون قد انتقلت من مرحلة مجاهدة النفس على الطاعة إلى مرحلة التلذذ بها، وذلك هو الفوز الأسمى.
يقول الشيخ إبراهيم الحمدو العمر:
“شهر رمضان نفحة قدسية وبركة ربانية يتعهد الله عز وجل بها عباده كل سنة مرة، فتجدد القلوب عهدها مع الله عزوجل، وتجلو فيها النفوس عن طبيعتها ما علق بها من صدأ المعاصي والابتـــعاد عن الله عز وجل في أحد عشر شهرًا، وتتهيأ الأرواح لتتخلص من علوقها الأرضي؛ متجهة إلى عالم أقرب وأطهر وأسمى، متخذة من صفائها ولطافتها معراجًا تعرج به نحو السـماء؛ وحيثما ذهبت تبحث في معاني ذلك الشهر العظيم؛ فإنك تجد للقول سعة وللأسرار مددًا وللإعجاز أبوابًا… ناهيك عن كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم في فضائل هذا الشهر العظيم، ومكانته وثواب العمل فيه والتقرب إلى الله عز وجل، فكلامه صلى الله عليه وسلم هو المحجة البيضاء الأقوم والصراط المستقيم.”
أيضًا هناك قيمة أخلاقية عند الحديث عن شهر رمضان فهناك الكثير من إخواننا الفقراء بهم الفاقة، فاتقوا الله فيما تعرضون على صفحاتكم على تطبيقات التواصل الاجتماعي من ولائم والأطعمة بأصنافها والتباهي بها، وتعتبرونها من آثر الحديث عن نعم الله، فلا تعينوا الشيطان على إخوانكم، ولا تفسدوا عليهم نياتهم، لا تجعلوهم يتركون حاجتهم الملحة في حياتهم من الأساسيات، إلى ما هو غير ضروري، رفقا بمن لا يكاد يجد إلا قوت يومه.
يقول المفكر عبد الكريم بكار:
“إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده (وأما بنعمة فحدّث)، ولكن ذلك التحديث حين يكون بصورة استفزازية للجيران والأصدقاء والزملاء… فإنه يتحول من شيء ممدوح إلى عامل تحاسد وتباغض، وإلى وسيلة كسر لقلوب الفقراء والضعفاء، بل إن التحدث بالنعمة قد يفسد نسيجًا اجتماعيًا بأكمله، فحين تصرف الفوائض المالية على شراء السلع المغرقة في الكمالية والبذخ يندفع الفقراء إلى تقليد ذلك، ويؤدي التقليد إلى تبديد الثروة، وتسود روح الشكلية والمظهرية والرقي الكاذب، إلى جانب إشاعة مشاعر البرم والسخط وعدم الرضا لدى السواد الأعظم من الناس، حيث إن الرضا ينبع أصلاً من خلال مقارنة الإنسان نفسه بالآخرين.”
ويعتبر مصطفى صادق الرافعي بأن الصوم معجزة إصلاحية يقول (رحمه الله):
“إن هذا الأسلوب في تربية الصائم، هو معجـزة إصلاحية لا يوصل إليها إلا بالصيام، أي أية معجزة إصلاحية أعجب من المعجزة الإسلامية، التي تتقضي أن يحذف من الإنسانية كلها تاريخ البطن ثلاثين يوماً في كل سنة، وهي لا تحذف عبثاً إنما (ليحل محله تاريخ النفس)، فهي قائمة على التوازن بين قوى الإنسان وإمكاناته كلها، حتى لا تطغى قوة منها على أخرى … ومع إثبات رؤية الهلال وإعلانها – إثبات الإرادة وإعلانها، كما انبعث الشعاع السماوي في التنبيه الإنساني العام لفروض الرحمة والإنسانية والبر).”
نصيحتي… أيام الصيام، اجعلها أيام طاعة لا أيام تباهٍ.
تقبل الله منا الطاعات في هذا الشهر وأعاننا على تغيير أنفسنا حتى نغير واقعنا.