ليسوا سواء !!
فرج كريكش
ماثل الان أمام عينيّ و كأنه اللحظة
ذلك الجدل الذي احتدم بيني وبين بعض رفاقي المتطرفين في سجن بوسليم حول الشاب خالد !!
خالد هذا شاب طرابلسي يعمل بالشرطة العسكرية ، جاءت به الاقدار حارسا في سجن بوسليم العسكري ،
لا تربطنا به أي علاقة الا علاقة الجلاد بالضحية ، أو القفل بالقضبان ، لكنني أحبه !
وكأنني أراه الان وهو يتسلل خلسة نحو عنابر السجن يفتح الكوة التي بباب الزنزانة يلقي إلينا بكيس سكر أو ملح أو بقايا طعام أو فاكهة
ثم يعود أدراجه مسرعا يتصبب عرقا وارتباكا لكنه لا يتوانى عن تكرار فعل قد يودي بحياته
لأنهم إن يظهروا عليه فليس سوى الموت أو الانتقال من رتبة سجان الى مسجون !
ورغم ذلك السلوك الذي ينم عن نفس طيبة خدومة تطعم الطعام على حبه لوجه الله لا تريد منا جزاء ولا شكورا الا أن بعض الرفاق يصرون على وضع خالد في سلة واحدة مع أولئك الذين يتسللون خلسة نحو عنابر السجن لكي يفرغوا روح الخمر الشريرة بسياطهم على ظهورنا
إن تصنيف الناس بين طيب وخبيث بالاطلاق كما في الروايات الرخيصة فيه ظلم للنفس البشرية التي قد تعاقر الخمر ويشهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم انها تحب الله ورسوله !
إن حصر الألوان بين اللون الأبيض والاسود في تقييم الخصوم أو حتى المقربين ولاسيما تحت مظلة الإيمان فيه ظلم للون الرمادي والبرتقالي والأحمر والأخضر والأصفر ! ولا يفعل ذلك الا متطرف
قال عبد الملك بن مروان: «من قال إن حاتماً أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد !!
فهل يعقل أن نعتبر عروة لصاً ظريفا أو صعلوكا عاديا ًكباقي اللصوص وقطاع الطرق ؟
( وَمِنْ أَهْل الْكِتَاب مَنْ إِنْ تَأْمَنهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْك !
وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْك
إِلَّا مَا دُمْت عَلَيْهِ قَائِمًا )
إن النفس والمجتمعات البشرية لن ترى النور ولا الانصاف مادامت تُصر على أن الشاب خالد لا يختلف عن باقي الجلادين القتلة
(غُلِبَتِ الرّومُ في أَدنَى الأَرضِ وَهُم مِن بَعدِ غَلَبِهِم سَيَغلِبونَ ، في بِضعِ سِنينَ لِلَّهِ الأَمرُ مِن قَبلُ وَمِن بَعدُ وَيَومَئِذٍ يَفرَحُ المُؤمِنونَ ، بِنَصرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشاءُ وَهُوَ العَزيزُ الرَّحيمُ )