ما ينتفِعُ به الميتُ مِنْ عملِ الأحياء
د. علي الصلابي
تنتفعُ الأمواتُ مِنْ سعي الأحياء بأمرين:
أحدُهما: ما تسبّبَ إليه الميتُ في حياته.
والثاني: دعاءُ المسلمين واستغفارهم له، والصدقةُ والحجُّ.
والأدلة على ذلك منها:
أ ـ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ﴾ [الحشر: 10] فأثنى الله عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم، فدلَّ على انتفاعهم باستغفارِ الأحياء.
ب ـ والأدعيةُ التي وردت بها السنّةُ في صلاة الجنازة مستفيضةٌ. وكذا الدعاءُ له بعدَ الدفن، ففي (سنن أبي داود)[(1)] من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: كان النبيُّ (ﷺ) إذا فرغَ مِنْ دفنِ الميّتِ وقفَ عليه فقال: «استغفروا لأخيكم، وأسألوا له التثبيتَ، فإنَّه الآنَ يُسْأَلُ ».
وكذلك الدعاءُ لهم عندَ زيارة قبورهم، كما في (صحيح مسلم)[(2)] من حديث بُريدةَ بن الحَصِيْب، قال: كان رسولُ اللهِ (ﷺ) يعلّمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: «السلامُ عليكم أهلَ الديارِ مِنَ المؤمنينَ والمسلمينَ، وإنّا إنْ شاءَ الله بِكُم لاحقون، نَسْأَلُ الله لنا ولكم العافيةَ» .
وأما وصول ثواب الصدقة ففي ( الصحيحين )[(3)] عن عائشةَ رضي الله عنها: أنّ رجلاً أتى النبيَّ (ﷺ) فقال: يا رسول الله، إنَّ أُمي افتُلتت نفسُها، ولم توصِ، وأظنُّها لو تكلّمتْ تصدّقتْ، أفلها أجرٌ إنْ تصدّقتُ عنها؟ قال: «نعم».
وأما وصولُ ثوابِ الصوم، ففي ( الصحيحين )[(4)] عن عائشة رضي الله عنها، أنَّ رسولَ الله (ﷺ) قال: « مَنْ ماتَ وعليه صيامٌ صامَ عنه وليُّه » .
وأما وصول ثواب الحج ففي ( صحيح البخاري )[(5)] عن ابنِ عباسِ رضي الله عنهما: أنَّ امرأةً من جُهينةَ جاءتْ إلى النبيِّ (ﷺ)، فقالتْ: إنِّ أُمي نذرتْ أن تحجَّ فلم تحجَّ حتّى ماتتْ، أفأحجُّ عنها ؟ قال: « نعم حُجِّي عنها، أرأيتِ لَوْ كانَ على أُمُّكِ دَيْنٌ، أكنتِ قاضيتَهُ؟ اقضوا اللهَ، فاللهُ أحقُّ بالوفاءِ» .
وقد دل على انتفاعِ الميّتِ بالدعاءِ إجماعُ الأمةِ على الدعاءِ له في صلاةِ الجنازةِ.
وأجمعَ المسلمونَ على أنَّ قضاءَ الدَّينِ يُسقطه من ذمّةِ الميت، ولو كان من أجنبي، ومن غير تركته، وقد دلَّ على ذلك حديثُ أبي قتادة حيثُ ضَمِن الدينارينِ عن الميت، فلمّا قضاهما قال النبيُّ (ﷺ): «الآن برّدتْ عليه جِلْدُتُه»[(6)] . وهـذا جارٍ على قواعد الشرع، وهو محضُ القياس، فإنَّ الثوابَ حقُّ العامل، فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يُمنع من ذلك، كما لم يمنعْ من هبةِ ماله له في حياته، وإبرائه له منه بعد وفاته[(7)]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسولَ اللهِ (ﷺ) قال: «إذا ماتَ الإنسانُ انقطعَ عنه عملُه إلاّ مِنْ ثلاثةٍ، إلاّ مِنْ صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنْتَفَعُ بهِ، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له»[(8)] .
وقد تحدّث العلماءُ في الصدقاتِ الجارية، وأنّ بابها واسعٌ وكبيرٌ، من بناء المساجد، والآبار، والمدارس، والمعاهد، وطباعة العلوم النافعة، وكفالة الأيتام والأرامل، وطلاب العلم … إلخ .
ملاحظة مهمة: استفاد المقال مادته من كتاب: “الإيمان باليوم الآخر”، للدكتور علي الصلابي، واستفاد أكثر معلوماته من كتاب: “اليوم الآخر في القرآن العظيم والسنة المطهرة”، للدكتور عبد المحسن المطيري.
المراجع:
اليوم الآخر في القرآن العظيم ص ( 98 ) .
دراسات عقدية في الحياة البرزخية للحازمي ص ( 311 ) .
المصدر نفسه ص ( 312 ) تفسير الطبري ( 11 / 499 ) .
أهوال القبور لابن رجب ص ( 79 ) .
تفسير القرطبي ( 18 / 201 ) .
البخاري ( 4699 ) ومسلم ( 2871 ) .
البخاري رقم ( 1374 ) ومسلم ( 2870 ) .
الترمذي رقم ( 1071 ) صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم ( 1391 )