عام

من شروط إصلاح ذات البين:

الاستجابة لداعي الإصلاح وترك دواعي النزاع

د. علي محمد الصلابي

إن على المتنازعين من الإخوة المسلمين أن يتقوا الله، ويسارعوا إلى إنهاء الخصام ويلبوا داعي الصلح إذا تقدم به الراغبون لإصلاح ما بينهم فلا تأخذهم العزة بالإثم فتمنعوا عن قبول دعوة المصالحة، ويستمروا بالمقاطعة والهجر، فيفوتهم قبول الأعمال وكسب الأجر من الله وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغض الله تعالى لمن كانت صفته شديد الخصومة واللجاج.

أ ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم (البخاري، رقم: 2457).

والألد الشديد اللدد، أي الجدال ومن كانت هذه صفته وطباعه فهو شر على مجتمعه، وخطر على أمنهم، فهو يهدم ولا يبني، عمله الإفساد في الأرض وأما من يستجيب للصلح، ويرغب فيه، ويميل إليه، فهو خير الناس، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضله بقوله :”وخيرهما الذي يبدأ بالسلام (البخاري، رقم: 6077).

فالذي يبادر إلى إصلاح ذات البين، فهو في ميزان الإسلام من الخيرين، وهذا دليل على طهارة القلب وسموا النفس، وطيب المعدن، فهذه الصفات جعلته يحوز على الفضل بسبب قبول الصلح.

وإن الشيطان حريص على التحريش بين الناس، وزرع الخصومات والعداوات، وتفكيك الأسر، والتفريق بين المتحابين والمتآخين فهو عدو للإنسانية، قال تعالى:﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوحِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر : 6].

فالعاقل من يحرص على وحدة الصفح وتجاوز الآلآم والجروح والمصائب التي وقعت ويحب الخير للجميع، يعفو عن من ظلمه ويعطي من حرمه وهذا ما ينبغي أن يتصف به المسلم، لأن التنازع له مضار عديدة فهو يؤدي إلى الفشل، وتمزق المجتمع وضعف الدولة مما يمكن أعداء الشعب من التدخل في شؤونه، كما أنه مدخل واسع من مداخل الشيطان، يتمكن به من افساد ذات البين ونشر الكراهية بين الناس وإشاعة البغضاء بين أبناء الأسر والأخ وأخيه والإبن وأبيه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الشيطان قد آسى أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم” (مسلم، رقم: 2812).

فالشيطان حريص على إيقاع الخصام بين الناس، فالإسلام يدعو إلى التصالح ويحث أتباعه على سلوك هذا المنهج، ولنا أسوة في مسلك الواعظ البر الرافض للشر أبو ذر عمر بن ذر فقد شتمه رجل، فقال: يا هذا، لا تغرقن في شتمنا ودع للصلح موضعاً فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه (حلية الأولياء وطبقاتالأصفياء، أبو نعيم الأصفهاني، 5/ 113).

وعلى الخصم أن يتنازل عن جزء من حقه رغبة في تقريب وجهات النظر، وتأليفاً للخصم الآخر، حتى يقبل الصلح المؤدي إلى تأليف القلوب وتسكين الغضب وتهدئة ثوراته ودليل ذلك ما ورد من مواقف كثيرة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم حيث تنازل بعض أصحاب الحق عن جزء من حقهم، كموقف كعب بن مالك مع خصمه حين ارتفعت أصواتهما، حتى سمع رسول الله كلامهما وهو في بيته، فخرج إليهما رسول الله صلى الله عله وسلم حتى كشف سجْف حجرته، فنادى كعب بن مالك فقال:” يا كعب” فقال لبيك يا رسول الله فأشار بيده، أن ضع الشطر، فقال كعب: قد فعلت يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” قم فاقض فعندما يتنازل الخصم عن بعض حقه فهو يعمل المعروف. (البخاري، رقم: 2710) (إصلاح ذات البين، كامل أحمد القاض، ص 141).

ومن المواقف الخالدة في التاريخ، تنازل الحسن بن علي رضي الله عنه عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما حيث تآلف المسلمون واجتمعوا واصطلحوا حتى سمي ذلك العام بعام الجماعة(البداية والنهاية، ابن كثير، 8/16).

وكان الحسن رضي الله عنه يتمتع بقوة، وكانت الكتائب أمثال الجبال، ومع ذلك قبل الصلح، وتنازل عن ملك رغبة في تحقيق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين (فتح الباري، رقم: 2704).

فإن الحسن ترك الملك لا لقلة، ولا لذلة، ولا لعلة، بل لرغبته فيما عند الله لما رآه من حقن دماء المسلمين، وراعى أمر الدين ومصلحة الأمة، وفيه فضيلة الإصلاح بين الناس، ولا سيما في حقن دماء المسلمين.

المراجع:

1. العدالة والمصالحة الوطنية ضرورة دينية وإنسانية، علي محمد الصلابي، ص 13-14.
2. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم الأصفهاني.
3. البداية والنهاية لابن كثير.
4. إصلاح ذات البين في ضوء الشريعة الإسلامية، كامل أحمدالقاض.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى