عاممقالاتمقالات الرأيمقالات تربوية

” من صفات المنافقين .. الكذب على الحلفاء والخذلان عند اللقاء” “

بقلم: د. علي محمد الصَّلابي

في كل مواجهة تخوضها الأمة مع أعدائها، يظهر حال المنافقينجليّاً واضحاً كما بيّنه القرآن الكريم، كاشفًا حقيقتهم أمام الناس والتاريخ. فهم لا يعيشون همّ الأمة ولا يحملون رسالتها، بل يتخذون من الضعف والخوف ذريعة للتثبيط والتشكيك. يظهرون الولاء باللسان ويخفون العداء في قلوبهم التي تميل لأعداء الأمة، فإذا جدّ الجد تراجعوا وتركوا الصفوف، بل وربما انقلبوا إلى خنجر في ظهر أمتهم. فالمحنة تكشف معادن الرجال، وتميز الصادق من المدّعي، وتبين أن النصر لا يتحقق إلا بصفوف مؤمنة صلبة، صافية من شوائب النفاق والتلون، وإن من دأب المنافقين الكذب على الحلفاء والخذلان للأصدقاء والجبن في مواجهة الأعداء، فخيرٌ للأمة أن يكونوا عليها لا معها.

وقد بيَّنتِ آيات القرآن الكريم حالَ المنافقين، ووضَّحتْ موقفَهم، وتحالفهم مع إخوانهم من اليهود، وكشفت أيضاً موقفهم من المسلمين، وموقف اليهود ونفسيَّاتهم (آل عابد، ص 1/264).

قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۝ لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ ۝ لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ۝ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ۝ كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۝ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلـمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ۝ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ [الحشر: 11 17].

يخبرنا المولى عزَّ وجلَّ عن المنافقين ؛ كعبد الله بن أُبيٍّ وأضرابه، حين بعثوا إلى يهود بني النَّضير يَعِدُونَهم بمناصرتهم، وقوله: ﴿لإِخْوَانِهِمُ﴾ أي: الَّذين بينهم وبينهم أُخوَّة الكفر، وهم يهود بني النَّضيـر، وجعلَهم إخواناً لهم؛ لكون الكفر قد جمعهم، وإن اختلف نوع كفرهم، فهم إخوانٌ في الكفر. ﴿لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ﴾ أي: والله! لئن أخرجتم من دياركم ﴿لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ﴾ من ديارنا في صحبتكم ﴿ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ﴾ أي: في شأنكم، ومن أجلكم، ﴿أَحَدًا﴾ ممَّن يريد أن يمنعنا من الخروج معكم، وإن طال الزَّمان، ثمَّ لـمَّا وعدوهم بالخروج معهم وعدوهم بالنُّصرة لهم، فقالوا: ﴿وَإِنْ قُوتِلْتُمْ ﴾ أي: وإن قاتلكم المسلمون ﴿ لَنَنْصُرَنَّكُمْ﴾ أي: على المسلمين؛ الَّذين، يقاتلونكم ثمَّ كذَّبهم الله تعالى، فقال: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فيما وعدوهم به من الخروج معهم والنَّصر لهم ولما أجمل سبحانه وتعالى كَذِبَ المنافقين فيما وعدوا به بني النضير؛ فصَّل ما كذبوا فيه (زيدان، 1997، ص 2/283)، وزاد في تأكيد الرَّدِّ عليهم، فقال تعالى: ﴿لَئِنْ أُخْرِجُوا لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ﴾ أي: لئن أَخْرَجَ المسلمون اليهودَ؛ فإنَّ المنافقين لن يخرجوا معهم.

وقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ قُوتِلُوا لاَ يَنْصُرُونَهُمْ﴾ أي: ولئن قاتل المسلمون اليهود؛ فإن المنافقين لن ينصرونهم.

وقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنْصَرُونَ. أي: ولئن نصر المنافـقون اليهود على سبيـل الفرض، فـإنَّ نصرهم لن يضرَّ المسلمين شيئـاً؛ بل إنَّ الفريقين سيولُّون الأدبار أمام المسلمين، ثمَّ لا ينصر الله بني النَّضير.

ثمَّ قرر القرآن الكريم حقيقةً قائمةً في نفوس اليهود، والمنافقين، قال تعالى: ﴿لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ أي: لأنتم يا معشر المسلمين! أشـدُّ خوفاً، وخشيـةً في صدور اليهـود، والمنافقين من الله تعالى، فهم يخافونكم أكثـر من خوفهم من الله تعالى، وهـذه الحال منهم ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ أي: لا يعلمون الله، وعظمته؛ حتَّى يخشوه حقَّ خشيته (زيدان، 1997، ص 2/283).

ثمَّ أكَّد سبحانه وتعالى هذه الحقيقة بصفاتٍ أخرى فيهم، فقال تعالى: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ﴾، فقد كشف سبحانه وتعالى عن حقائق نفسيَّة اليهود، فهم جبناء، لا يستطيعون أن يواجهوا المسلمين في مواطنَ مكشوفةٍ؛ بل لا يقاتلون إلا من وراء قراهم المحصَّنة بالخنادق، وجدرانهم، وحوائطهم الَّتي يتستَّرون مِنْ خلفها.

ثمَّ كشف القرآن عن بعض أسباب ضعفهم، وخورهم، فقال تعالى: ﴿بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ ،  فهؤلاء اليهود في الظَّاهر تراهم مجتمعين صفّاً واحداً ضدَّ المسلمين، لكنَّ الآية تبين: أنَّهم عكس ذلك في الحقيقة، فهم ﴿بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ﴾ أي: عداوتهم بعضهم لبعضٍ شديدةٌ ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا﴾ أي: تظنُّهم مجتمعين على أمر، ورأيٍ ولكنَّهم في الحقيقة ﴿وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ أي:متفرقة.

وقوله سبحانه ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ أي: بسبب أنَّهم قومٌ لا يعقلون الحقَّ، ولا يدورون معه، وإنَّما يدورون في ركاب الباطل (آل عابد، ص 1/293-294).

وفي الآية تجسيرٌ للمؤمنين، وتشجيعٌ لقلوبهم على قتال اليهود؛ لأنَّهم عرفوا من ربِّ العالمين، بأنَّ اليهود جبناء، ثمَّ بيَّن سبحانه أنَّ ما نزل ببني النَّضير من بلاءٍ بسبب غدرهم، قد نزل ما يشبهه بإخوانهم من بني قينقاع، فذاقوا جزاءَ خيانتهم، وغرورهم. قال تعالى: ﴿كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

ثمَّ ضرب الله مثلاً آخر للمنافقين، الَّذين أَغْرَوْا بني النَّضير بالمقاومة ثمَّ خذلوهم عند المحنة، فقال تعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلـمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ۝ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ،يعني: مثل هؤلاء اليهود في اغترارهم بالَّذين وعدوهم النَّصر منالمنافقين، وقول المنافقين لهم: ﴿وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ﴾ ثمَّ لـمَّا حقَّت الحقائق، ووقع عليهم الحصار، والقتال، تخلَّوا عنهم، وأسلموهم للتَّهلكة، مثالهم في هذا كمثل الشيطان إذ سَوَّل للإنسان والعياذ بالله الكفر، فإذا دخل فيما سوَّله له تبرَّأ منه، وتنصَّل، وقال: ﴿إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.

وقولـه: ﴿فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ : أي: فكان عاقبة الأمر  وهو الشَّيطان، والفاعل له، وهو المستجيب للشَّيطان: أنَّهما في النار خالدين فيها أبد الآبدين ﴿وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ أي: جزاء كلِّ ظالمٍ (زيدان، 1997، 2/284).

المراجع:

1. آل عابد، محمد بكر، حديث القرآن عن غزوات الرَّسول ()، دار الغرب الإسلاميِّ، الطَّبعة الأولى.
2. زيدان، عبدالكريم، (1997)، المستفاد من قصص القرآن للدَّعوة والدُّعاة، مؤسَّسة الرِّسالة، الطَّبعة الأولى 1418 هـ  1997 م.
3. الصلابي، علي محمد، (2021)، السيرة النبوية، ج 2، ط11، دار ابن كثير، 2021، ص 155-170.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى