عاممقالاتمقالات الرأيمقالات تربوية

موقف المسلم إزاء سنة التدافع بين الحق والباطل.

✍️  أ.د. إدريس أوهنا

على كل مسلم أن يقف موقفًا صحيحًا وقويا في التدافع الجاري بين الحق والباطل اليوم؛ وذلك بأن يلتزم بالآتي:
(أولا) يعرف الحق وينصره بما يدخل تحت استطاعته ووسعه من أسباب، ويعرف الباطل وينكره ويقاومه بما يدخل تحت استطاعته ووسعه من أسباب كذلك؛ فإن النصر يتنزل على المؤمنين الآخذين بالأسباب لا على القاعدين، أو من يكتفون بالدعاء ويتركون ما بأيديهم من أسباب أخرى، أو من يقولون: كيف يقع هذا الظلم على أهل غزة ثم لا تتدخل الملائكة لحسم الأمر؟ أو ما شابه ذلك؛ فإنه مناف لمنطق السنن الإلهية، ومسقط لقانون التدافع بين الحق والباطل، قال الله عز وجل: {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض} محمد 4، وقال عز وجل: {ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكنَ الله ذو فضل على العالمين} البقرة 249، وقال: {ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} الحج 140.
ثم إن المسلم عندما يعرف الحق وينصره، ويعرف الباطل وينكره بما تحت يديه من الأسباب، عليه أن يستحضر جملة أمور من بينها:
الأمر الأول: أن يأخذ بالأسباب دون استعجال النتائج؛ كما جاء في آخر خطبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: “وإن الأمور تجري بإذن الله، فلا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله؛ فإن الله عز وجل لا يَعْجل بعجلة أحد…”.
الأمر الثاني: أن يركز المدافع للباطل -كيفما كان نوع هذا الباطل- على نجاحه هو أولا في امتحان التمحيص والابتلاء، وما الدنيا إلا دار ابتلاء: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم}. وكما تجري سنة الابتلاء والتمحيص على المؤمنين، تجري سنة الإملاء والاستدراج على الكافرين والظالمين، قال تعالى: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين} آل عمران 178.
الأمر الثالث: أن لا يحقر في مسار التدافع بين الحق والباطل من المعروف شيئا، كمن يقل: ما جدوى الوقفات والمسيرات والبيانات والمقالات والتدوينات والمحاضرات والندوات والأشعار والمسرحيات والمقاطعات وما إلى ذلك؟ لو لم يكن لها أي جدوى لما قال صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان”، ولاكتفى بالقول: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده.” ولم يزد عليها؛ إذ لا جدوى من التغيير باللسان والتغيير بالقلب على زعم من يدعي ذلك ويقول به. ولما قال كذلك: “جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم”؛ إذ ما جدوى التغيير بالألسنة على زعم من ينفي أثرها وجدواها؟
فكلام الرسول صلى الله عليه وسلم أبلغ في بيان جدوى تلك الوسائل جميعها، وفي إثبات أثرها في الدنيا والآخرة.
ولو لم يكن لتلك الوسائل والأسباب من أثر إلا الإعذار إلى الله تعالى ببذل ما في الوسع والاستطاعة تبرئة للذمة لكان لازما القيام بها، فما بالك أن لها آثارا نافعة بإذن الله تعالى لا تخفى إلا على من عميت بصيرته.
الأمر الرابع: أن يعلم يقينا أنه مأجور على أخذه بالأسباب المقدور عليها بصرف النظر عن النتائج والمسببات التي تخضع لإرادة الله ومشيئته، فهو الذي يجريها متى شاء وكيف شاء، {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يوسف 21.
(ثانيا) ألَّا يقف موقفًا متذبذبًا بين أهل الحق وأهل الباطل؛ محايدا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ فإن ذلك من صفات المنافقين الذين قال فيهم الله عز وجل: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: 143].
(ثالثا) ألَّا يغتر بكثرة أتباع الباطل، ولا يتأثر سلبا بذلك؛ فتضعف همته ويتسرب إليه اليأس والفتور، بل يلزم الحق وإن قل أهله ومناصروه، قال بعض السلف: “عليك بطريق الهدى، ولا يضرنك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا يغرنك كثرة الهالكين”.
فقد أنبأنا الله تعالى في كتابه أن الباطل أكثر أتباعا من الحق، قال تعالى: {وإن تطع أكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله} الأنعام 116، والآيات القرآنية في ذلك كثيرة، ومع ذلك ينبغي للمؤمن الثبات على الحق، ومدافعة الباطل، دون يأس أو فتور.
(رابعا) ألَّا يقنط ولا ييأس إذا أصاب أهل الحق نكبة، أو علا صوت أهل الباطل حينًا؛ فإن العاقبة للحق وأهله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى