نظرة.. علي عزت بيجوفيتش .. للعالم
نظرة.. علي عزت بيجوفيتش .. للعالم
فرج كُندي
الذي يقرأ كتابات ومؤلفات الأستاذ علي عزت بيجوفيتش، رحمه الله (١٩٢٥- ٢٠٠٣)، يدرك وبكل تجرّد وقناعة تامة أنه أمام مفكر مسلم عميق شامخ من طراز غير معهود، ولد وترعرع في حضارة الغرب، وينتمي روحا وعقلا إلى حضارة الإسلام الشامخة، التي أفنى عمره في خدمتها والدفاع عنها وعن وجودها في دولة يوغسلافيا ثم في البوسنة والهرسك.
كان الأستاذ بيجوفيتش حريصا على المحافظة على الهوية الإسلامية لشعب (البوشناق) في البوسنة ودافع عنها، ودفع ثمن دفاعه سنوات طويلة من عمره في سجون يوغسلافيا إبان فترة الحكم الشيوعي.
من خلال هذا الانتماء إلى الإسلام وحضارة الإسلام ناقش الأستاذ “بيجوفيتش” بعض القضايا الفلسفية، ووجهات النظر حول العالم من خلال انتمائه إلى الحضارة الإسلامية، واطلاعه الواسع على الحضارة الغربية التي ولد وترعرع وتعلم بين أحضانها.
خرج برؤية متميزة حول العالم في مقارنة بين هاتين الحضارتين؛ تمثّلت في ثلاث وجهات نظر حول رؤيته إلى العالم تعكس رأي الحضارة الغربية وما حوته من ارتماء في أحضان المادية، وما بين الحضارة الدينية المسيحية التي قامت على الروح فقط، والإسلام الذي يجمع بين المادة والروح.
يقول الأستاذ بيجوفيتش: هناك فقط ثلاث وجهات نظر متكاملة عن العالم هي: النظرة الدينية والنظرة المادية والنظرة الإسلامية
هذه الوجهات الثلاث من النظر “البيجوفيتشي” تعكس ثلاث إمكانات مبدئية
هي: الضمير والطبيعة والإنسان؛ تتمثل في كل منها على التوالي المسيحية والمادية والإسلام.
ومن خلال اطّلاع “علي عزت بيجوفيتش” على الحضارة المادية الغربية والمسيحية والإسلام؛ يقرر أن جميع الفلسفات والعقائد والأيدولوجيات عبر تاريخ الإنسانية وتاريخ الأفكار فيه؛ قائمة على مرجعية لا تخرج عن هذه النظرات الثلاث للعالم التي يصفها بالعالمية.
فيقول: سنجد جميع الأيدولوجيات والفلسفات والتعاليم العقائدية منذ أقدم العصور إلى اليوم في التحليل النهائي، يمكن إرجاعها إلى واحدة من هذه النظرات الثلاث العالمية الإنسانية.
ويحدد بدايات ومنطلقات كل نظرة وارتباطها بمصدرها الذي تستمد منه وجودها وتنعكس عليه وجهة نظرها التي تتبناه وتبشّر بها؛ ونجد أن نقطة بداية الأولى وجود الروح، والثانية وجود المادية، والثالثة الموجود المتزامن للروح والمادة معًا؛ فلو كانت المادة وحدها هي الموجودة، فإن الفلسفة التي تترتب على ذلك هي الفلسفة المادية، وعلى عكس ذلك إذ وجدت الروح، فالإنسان بالتالي يكون موجودًا أيضاً.
ومن خلال منطلق بيجوفيتش الإسلامي وعقيدته الراسخة يقرر ألا قيمة ولا معنى لحياة الإنسان بلا دين ناظم للأخلاق جامع بن الروح والمادة التي ترفع به إلى السمو الإنساني. وحياة الإنسان تصبح بلا معنى بغير نوع من الدين والأخلاق والإسلام؛ هو الاسم الذي يطلق على الوحدة بين الروح والمادة وهو الصبغة السامية للإنسان نفسه.
ويصف اكتمال الحياة الإنسانية بأنه لا يقوم إلا بعد اشتمالها على كل احتياجات الإنسان الروحية والمادية معًا ولا يمكن إنكار جانب على جانب آخر وتحقيق مبدأ التوازن ما بين المادي والروحي. إن الحياة الإنسانية تكتمل فقط عندما تشتمل على كل الرغبات الحسية والأشواق الروحية للكائن البشري، وترجع كل الإخفاقات الإنسانية لإنكار الدين الاحتياجات البيولوجية للإنسان أو إنكار المذهب المادي لتطلعات الإنسان الروحية.
هذه نظرة الأستاذ “بيجوفيتش” للعالم وهي نظرة التوازن الطبيعي التي يختارها العقل ويقرها الدين الإسلامي الحنيف دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ومن أحسن من الله فطرة.