أخبار الجمعيةاجتماعيةالكلمة الأسبوعيةعامفعالياتمقالاتمقالات تربوية

في اليوم العالمي للمعلم المعلم.. حجر الزاوية في بناء الحضارة

إذا أردت أن تعرف مستقبل أمة، فانظر إلى حال معلميها؛ فالمعلم هو المهندس الخفي الذي يُقَوِّمُ الأجيال، ويبني العقول، ويُشَكِّلُ الضمائر، إنه ليس ناقلاً للمعلومات فحسب، بل هو مربٍّ للأخلاق، ومُوجِّه للطاقات، وصانعٌ للرجال. ولذلك كانت مكانته من مكانة الأنبياء والمرسلين، الذين كانت رسالتهم الأولى هي التعليم والإرشاد، ﴿هُوَ اَ۬لذِے بَعَثَ فِے اِ۬لْأُمِّيِّـۧنَ رَسُولاٗ مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ اُ۬لْكِتَٰبَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِے ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ﴾، كما أَوْلى الإسلام العلم والمعلم مكانة سامية، فكان أول ما نزل من القرآن على رسول الله ﷺ ﴿اقْرَأ﴾، وأعطى مكانة عالية لأهل العلم فقال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اِ۬للَّهُ اُ۬لذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَالذِينَ أُوتُواْ اُ۬لْعِلْمَ دَرَجَٰتٖۖ﴾، وقال: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾، وبيّن رسول الله ﷺ ما للمعلم من الفضل فقال: (إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير)، بل وجعل رسالته هي التعليم فقال ﷺ: (إنما بعثت معلما). ويقول الشاعر أحمد شوقي في بيان مكانة وأهمية المعلم، وما يجب له من التقدير والاحترام:
قُـمْ للمُـعَـلِّـمِ وَفِّـهِ التَّـبْـجِـيـلا كـــادَ الـــمُــعَــلِّــمُ أن يـــكـــونَ رســـولا
أَعـــلِــمْــتَ أَشـــرَفَ أَوْ أَجَـــلَّ مِـــنَ الـــَّـذِي يَـبْـنِـي وَيُـنْـشِـئُ أَنْـفُـسًـا وَعُـقـولا

هذا الفضل وهذه المكانة نابعة من الدور الحيوي والمهم الذي يقوم به المعلم؛ فهو الذي يغرس القيم والأخلاق في نفوس الطلاب، ويوجههم إلى ما فيه خيرهم وخير مجتمعهم. وهو الذي يُعلِّم طلابه كيف يفكرون، ويحللون، ويبتكرون، فيشعل عقولهم بالأفكار الهادفة والبناءة، وهو الذي يعدُّ الأطباء والمهندسين والقادة والعلماء، وهو الذي يحفظ هوية الأمة وثقافتها وينقل تراثها للأجيال القادمة.
هذه المكانة وهذه الأهمية وهذا الدور يفرض على الدولة والمجتمع أن يولي المعلم الاهتمام الكبير ضمانا لقيامه بدوره على أكمل وجه، وذلك من خلال:
1. توفير حياة كريمة: بمنحه راتبا مجزيا يليق بمكانته، ويحميه من هموم المعيشة، ليستطيع التفرغ لرسالته.
2. التكريم المستمر: من خلال الجوائز التقديرية، وتخصيص يوم للاحتفال به، وإبراز نجاحاته في الإعلام.
3. التطوير المهني المستمر: من خلال تدريبه على أحدث طرق التدريس والتقنيات التعليمية، وكيفية التعامل مع الفروق الفردية بين الطلاب، وتوفير أحدث الوسائل التعليمية وبيئة مدرسية محفزة للإبداع، والمساهمة في رفع كفاءته؛ بتشجيع البحث العلمي بين المعلمين وتوفير المنح الدراسية لهم.
4. حماية مكانته الاجتماعية: في نفوس الطلاب وأولياء الأمور، ودعمه في مواقفه التربوية.
وهكذا لابد من تقدير المعلم والرفع من شأنه ماديا وعلميا واجتماعيا حتى يكون قادرا على بناء الجيل الذي يبني البلاد ويرفع شأنها بين الأمم.
وفي الختام كلمة نوجهها للأستاذ المعلم والمعلمة، فأنت – أيها الأستاذ الكريم – القدوة الذي يرى الطلاب من خلالك المثل الأعلى، فاحرص على أن تظهر دوما بالمظهر الأنيق، والأدب الرفيع، والعلم الواسع، وأن يرى فيك أبناؤك الطلبة مثلا يحتذى، وأسوة تقتدى، وهم بهذا سيجلّونك ويرفع الناس قدرك، وتتبوّأ المكانة اللائقة بك، وتتمكن من القيام بدورك، ويكون لك الأجر والمثوبة العليا عند المولى سبحانه وتعالى.
المعلم هو شمعة تحترق لتنير دروب الأجيال. وإذا أردنا لأمتنا أن تنهض، فلنبدأ بمعلمها، فلنكرمه، ولنطوره، ولنضعَه في المكانة التي تليق به. فلنكن جميعا – دولة ومجتمعا – تلاميذَ شاكرين لهذا المعلم الكريم، الذي كرَّمه الله تعالى بأعظم مهمة، فبالمعلم تزدهر الأمم، وتُبنى الحضارات، ويُصنع المستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى