ما الذي تريده إسرائيل من الحكومة السورية الجديدة؟

خليل البطران
كاتب وباحث سوري
مقدمة:
تشهد سوريا مرحلة سياسية فارقة مع تعيين أحمد الشرع رئيسًا للجمهورية، ما يطرح تساؤلات ملحّة: كيف تنظر إسرائيل إلى هذه الحكومة الجديدة؟ وهل تراها استمرارًا للنظام السابق أم فرصة لتغيير قواعد اللعبة؟ وكيف ستنعكس هذه التحولات على مصالح إسرائيل الاستراتيجية في المنطقة؟
التهديد الإيراني: أولوية إسرائيل في سوريا الجديدة
منذ اندلاع الحرب السورية، تابعت إسرائيل التطورات عن كثب، لكن في السنوات الأخيرة، أصبح تركيزها ينصبّ على تقليص النفوذ الإيراني في سوريا. فوجود القوات الإيرانية، وقواعدها العسكرية، وانتشار الأسلحة المتطورة يُعدّ تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل. من هذا المنطلق، فإن تل أبيب تفضل حكومة سورية جديدة تكون أقل ارتباطًا بطهران.
المصالح الإقليمية: روسيا، تركيا، وخط الغاز القطري
التعقيدات الإقليمية تتزايد في سوريا، لا سيما مع تداعيات الحرب في أوكرانيا، التي أضعفت الحضور الروسي في الشرق الأوسط. تسعى أوروبا إلى تقليص نفوذ موسكو، خاصة أن مشروع خط الغاز القطري، الذي يمر عبر الأردن وسوريا نحو تركيا، قد يشكل تهديدًا استراتيجيًا لمصالح روسيا كمصدر رئيسي للطاقة.
تركيا: “مفتاح سوريا” في يد أردوغان؟
قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إنّه “سلّم مفتاح سوريا إلى تركيا”، واصفًا الرئيس رجب طيب أردوغان بـ”الرجل العظيم”. هذه الثقة تعكس الدور التركي المتصاعد، لا سيما في دعم المعارضة السورية، وإعادة رسم المشهد بعد الأسد. ومن الواضح أن إسرائيل لا تمانع هذا الدور، ما دام يخدم هدفها الأساسي: إضعاف النفوذ الإيراني.
استراتيجية إسرائيل تجاه سوريا الجديدة
بحسب دراسة إسرائيلية حديثة، فإن على تل أبيب الاستعداد لعدة سيناريوهات: من استقرار سياسي بقيادة حكومة معتدلة، إلى احتمال تحوّل سوريا إلى بؤرة للأنشطة المتطرفة. الدراسة توصي بسياسة متوازنة بين الحسم العسكري والدبلوماسية الذكية، لضمان حماية الحدود الإسرائيلية والمشاركة في استقرار المنطقة.
“يجب على إسرائيل تبني سياسة تجمع بين الحزم العسكري والجهود الدبلوماسية المدروسة، مما يتيح لها حماية حدودها والمشاركة في استقرار المنطقة.”
التداعيات العسكرية والسياسية
استيلاء هيئة تحرير الشام على دمشق أدى إلى تقليص نفوذ إيران وحزب الله، وفتح المجال أمام قوى المعارضة. في الوقت ذاته، انشغال روسيا بجبهتها الغربية ساهم في تراجع دورها بسوريا، ما دفع موسكو إلى الاعتراف بضرورة إعادة هيكلة النظام السوري.
ورغم انتماء الهيئة إلى تيار جهادي، إلا أن هناك دعمًا شعبيًا ملحوظًا لها، نابعًا من الإحباط من النظام السابق أكثر من تبنٍ لأيديولوجيتها.
السعودية: قوة موازنة لإسرائيل وتركيا
ترى إسرائيل في السعودية شريكًا محوريًا لإعادة تشكيل التوازن الإقليمي. فالرياض تشترك مع تل أبيب في هدف الحد من النفوذ الإيراني، وتسعى لتعزيز الاستقرار في سوريا عبر دعم قوى معتدلة. هذا التعاون غير المعلن يسهم في صياغة مشهد جديد في المنطقة، تتوزع فيه القوى دون هيمنة طرف واحد.
الرابحون والخاسرون بعد سقوط الأسد
بانهيار نظام الأسد، سيكون لكل من الولايات المتحدة، وإسرائيل، وتركيا، والسعودية اليد العليا في تقرير مستقبل سوريا. بينما ستتراجع فرص إيران وروسيا في الحفاظ على مواقع نفوذها، ما سيغير ميزان القوى في الإقليم.
خاتمة
تسعى إسرائيل إلى رؤية سوريا مستقرة، تقودها حكومة قادرة على تحجيم النفوذ الإيراني وتوفير حدّ أدنى من التوازن الإقليمي. لكن يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح الحكومة السورية الجديدة في مواكبة هذه التغيرات؟ أم ستظل سوريا ساحةً للصراع الإقليمي والدولي كما كانت لعقد مضى؟