منهج الاستخلاف
فرج كُندي
الاستخلاف هو الهدف الأساسي والأصلي للوجود الإنساني في عالم الشهادة، ولا يقوم الاستخلاف إلا على منهج سويّ قويم معصوم من خالق الكون وخالق الخليقة، الذي يعلم ما يصلح لها ويُصلحها.
إن الله هو الذي استخلف الخليقة وجعل عبادته قوام هذا الاستخلاف والعمود الذي ترتكز عليه؛ بها تتحقق الخلافة، ومن خلالها يحقق الإنسان خلافته في الأرض، التي هي مجال هذه الخلافة ومساحتها العملية وميدانها.
ولا تكون الخلافة إلا من خلال حركة الإنسان ونشاطه القائم على الإيمان الصحيح الخالي من الدخن، والعمل الصالح الخالص لوجه الله.
ولكي يستطيع أن يؤدي الإنسان مهمته الاستخلافية التي خُلق لأجلها؛ فقد منحه الله تعالى أدوات ووسائل الاستخلاف المادية والروحية التي تمكّنه من فهم رسالته وكيف يعي ذاته. لكي تمكنه من أداء دوره ليعبد الله تعالى من جهة، ويكون سيدًا في الأرض من جهة أخرى.
وللاستحلاف الذي أُنيط بالإنسان أهداف منها: –
العمل على الارتقاء المعرفي والروحي والأخلاقي، والترقي العمراني – الحضاري بصفة دائمة وبشكل متوازٍ ومتوازن. دون إفراط جانب أو تفريط في جوانب أخرى؛ للتمكين من الإعداد لجيل الوراثة. جيل يستطيع أن يقدم عطاءً حضاريًا في سياق الالتزام بالواجبات العبادية والأخلاقية والروحية، وهو ما يمنحه وراثة الجنة لنجاحه في أداء أمانة التكليف بإخلاص وكفاءة في عالم الشهادة عالم العمل والاجتهاد فيه.
ومما لا يحتاج منا إلى التأكيد، لأنه من المعلوم من الدين بالضرورة، أن الإسلام جاء لتعريف وتذكير هذا الإنسان بهذا التكليف، والأخذ بيده نحو المنهج الأمثل والأكمل لتحقيق هذا الدور؛ بل الأمر من الله تعالى، وهو ما سيحدد مصيره في الدار الآخرة دار الجزاء والخلود.
وبهذا ندرك أن منهج الإسلام، هو منهج الاستخلاف، الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى للإنسان وكل الناس؛ لا فرق بين عربي وعجمي أو أحمر وأسود.
شرع الله له الإسلام؛ لكي ينظم حياته تنظيمًا متناسقًا يوازن فيه بين مكونيه الأصليين الروح والجسد؛ من خلال التشريعات التي مصدرها الله تعالى الإله، الذي هو أعلم بفطرته التي فطر خلقه عليها وفطر الوجود الذي يعيش فيه هذا الإنسان تحقيقا للتوافق والانسجام في حركة وجوده، ويوجهه نحو غايته التي خلقه لأجلها، وهي عبادته لدخول جنته.
نبّه القرآن الكريم، بشكل واضح لا التباس فيه وحاسم حازم لا لجلجة فيه، إلى أهمية سلامة المنهج في تحقيق غاية الاستخلاف، ومدى الخطورة والخلل في غيابه أو تغييبه في نصوص كثيرة من القرآن الكريم منها: –
قوله تعالى:
( وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الأنعام ١٥٣
وقوله تعالى:
(إن الدين عند الله الإسلام) آل عمران 19.
وقوله تعالى:
(فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقي* ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) طه. 123-124.
وقوله تعالى:
(فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) الأنعام 125.
فكل هذه النصوص مجتمعة تؤكد أن الإسلام هو المنهج الأمثل والأكمل والأجدى، الذي ارتضاه الله لتحقيق مشروع الخلافة في الأرض لتطابقه واتساقه مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها.