اجتماعيةمقالات تربوية

ثورة التغيير الرمضاني (2)

 

أ. عبد السيد الشريف

تكلّمنا في المقال السابق عن مفهوم التغيير وصورة التغيير، ولماذا يكون رمضان مناسبًا للتغيير؟ وفي هذا المقال، بعون الله، سنتكلم عن بعض القواعد في التغيير، وخطوات أو خطة عملية مكتوبة لإحداث عملية التغيير.

قاعدة ذهبية ربانية للتغيير:
• التغيير قرار ذاتي داخلي، وهو بداية عملية التغيير قال تعالى: “لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ” الرعد: ١١
• القناعة بضرورة التغيير وأهميته ومدى احتياجنا إليه، قال تعالى: “ولا تمنن تستكثر” سورة المدثر.
وقال الحسن البصري: “لا تمنن بعملك على ربك تستكثره” أحد وجوه التفسير كما قال ابن كثير رغم أنه قال: الأظهر هو تفسير ابن عباس: لا تعط العطية تلتمس أكثر منها.
• التغيير صعب لذلك يحتاج إلى وقت وصبر، فالزمن جزء من العلاج فلا بد من الصبر على النتائج ولا نستعجل لابد من الصبر والتأنّي. عن أبي هريرة قال عليه الصلاة والسلام: “إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ، و إِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، ومَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ، ومَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ”
حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وقال الشافعي:
بقَدْرِ الكَدِّ تُكْتَسَبُ المَعَالِي وَمَنْ طَلَبَ العُلَا سَهِرَ اللَّيَالِي
تَرَومُ العِزَّ ثُمَّ تَنَامُ لَيْلًا يَغُوصُ البَحْرَ مَنْ طَلَبَ اللَآلِي
وَمَنْ رَامَ العُلَى مِنْ غَيْرِ كَدٍّ أَضَاعَ اَلعُمْرَ فِي طَلَبِ المُحَالِ

وقال المتنبي: وَإِذَا كَانَتِ النُّفُوسُ كِبَارًا * تَعِبَتْ فِي مُرادِهَا الأَجْسَامُ

• التغيير المادي أسهل بكثير من التغيير الفكري والسلوكي والأخلاقي: حادثة تكسير إبراهيم للأصنام، بينما النبي عليه الصلاة والسلام جعل من صنعها يحطمها بنفسه. لذلك سيدنا إبراهيم عوقب بأن رمي في النار وأسلوب النبي كان أبلغ وأنفع.
مثال: المدية المنورة لم تكن ذات عمران وكباري وطرق بل كانت من جريد ونخيل ومساكن متواضعة وكانت عاصمة النبوة. ففي الحديث النبوي عن عبد الله بن أنيس: “أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَأَرَانِي صُبْحَهَا أَسْجُدُ في مَاءٍ وَطِينٍ. قالَ: فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، فَصَلَّى بنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَانْصَرَفَ وإنَّ أَثَرَ المَاءِ وَالطِّينِ علَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ. قالَ: وَكانَ عبدُ اللهِ بنُ أُنَيْسٍ يقولُ: ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ” مسلم.

مجالات التغيير:
التغيير الذي نقصده في هذا المقال، هو تغيير شمولي يشمل جميع جوانب النفس البشرية؛ لأن التغيير المقصود هو التغيير الفردي. وتغيير عميق ليس عرضيًا بل جوهري يمتد إلى الجذور وإلى الثمرة يعني تغيير هنا تغيير شمولي يحتاج إلى تأمل وتفكر وإلى صبر وتأنٍ؛ ولا ننسى الدعاء والاستعانة والتوكل على الله، سبحانه وتعالى، فيشمل التغيير في الإنسان المسلم:
1. فيشمل جانب العبادات (الصلاة والطهارة والصدقة والصيام وتلاوة القران والقيام والذكر).
2. العادات (النوم – إدارة الوقت – الأكل – التدخين – الرياضة..)
3. ويشمل جانب القلبيات أي أعمال القلوب (التوبة – الحلم – الخوف – الملل – الصبر – الرضا – المراقبة – الرجاء – الخوف..)
4. العلاقات (الوالدان – الأبناء – الزوجة – الزوج – الأصدقاء – الجيران والأرحام والأقارب..)
5. الأفكار والقناعات (التفكير الإيجابي – التفاؤل – الإرادة – الأمة الواحدة..)

خطوات عملية لإحداث التغيير
1. جلسة وخلوة مع النفس والتأمل والتفكر في كيفية إحداث التغيير الإيجابي النفسي، فالتَّفَكُّر فعل وجداني أما التفكير فهو فعل عقلي.
التَّفَكُّر استجابة فورية، والتفكير عمل مستديم متدرج متراكم، ولذا قرأ المصطفى -عليه السلام- قوله تعالى: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، ثم قال: (وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا) رواه ابن حبان.
والتَّفَكُّر عبادة وابن عباس يقول: ركعتان مقتصدتان في تَفَكُّر خير من قيام ليلة بلا قلب!
ويقول: تَفَكَّروا في آلاء الله.
ووصفت أم الدرداء زوجها الصحابي الجليل بأن أكثر عبادته التَّفَكُّر.
ويقول الحسن البصري: (تَفَكُّر ساعة خير من قيام ليلة).
التَّفَكُّر مفردة قرآنية تكررت في 18 موضعاً في الكتاب العزيز في عدة موضوعات مختلفة.
قالت عائشة رضي الله عنها: “ثُمَّ حُبِّبَ إلَيْهِ الخَلَاءُ، فَكانَ يَلْحَقُ بغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فيه – قالَ: والتَّحَنُّثُ: التَّعَبُّدُ – اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ، قَبْلَ أنْ يَرْجِعَ إلى أهْلِهِ ويَتَزَوَّدُ لذلكَ.
2. خطِّط لما تريد: (إذا فشلت في التخطيط فقد خططت للفشل)، ولا بد أن تكون الخطة مكتوبة، وقَلِّل من الأهداف فاختر المركَّز الأهم منها بحسب وضعك.
3- حدد أهدافًا تفصيلية محددة ومقاسة وليست كبيرة مثال: لا تقل سوف أختم القرآن، بل قل سوف أقرأ من سورة كذا إلى سورة كذا بالتدبر
• أهداف متعلقة بالتفسير، قل: سوف أقرأ تفسير السورة الفلانية
• هناك أنواع من الأهداف عبادية وإيمانية.
• أهداف مالية متعلقة بالصدقة
• وأهداف متعلقة بصلة الرحم
• وأهداف متعلقة بمهارة التعلم؛ مثل تعلم مهارة معينة (تحسين الخط – القراءة السريعة – الطباعة بالكمبيوتر – تعلم الإكسيل والبور بوين ..)
4- قراءة الأهداف مكتوبة وليكن جدولا لمدة عشرة أيام مكتوبة فيه الأهداف، حَفِّظ عقلك الباطن ما تريد: فاقرأ الخطة كل يوم صباحًا أو قبل النوم واجلس وتخيل أنك حققت أهدافك هدفاً هدفاً.
5- أكَدّ رغبتك في التغيير: بأن تخصِّص من وقتك جلسة للتعرف إلى أهمية ونتيجة كل هدف، وبذلك قد يتبين أولوية بعضها دون الآخر.
6- استعن بالدعاء وتوكل على الله : قال صلى الله عليه وسلم: “ثلاثُ دعوات لا تُرَدّ: دعوة الوالد لولده، دعوة الصائم، ودعوة المسافر”، فيمكنك أن تضع كل أهدافك في ورقة وتقول: اللهم حقق أهدافي التي في هذه الورقة (المكتوب فيها الأهداف التي تنوي تحقيقها).
اللهم تقبل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركوعنا وسجودنا يا رب العالمين، اللهم اجعل أعمالنا صالحة ولك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها نصيبا…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى