فلاسفة لهم تاريخ.. الدولة والمجتمع عند أرسطو
فلاسفة لهم تاريخ.. الدولة والمجتمع عند أرسطو
د. جمال نصار
ولد أرسطو في إستاجيرا اليونانية عام 384 ق.م، وتوفي في عام 322ق.م، وكان أبوه طبيبًا في البلاط المقدوني، وبالتالي فقد اطّلع أرسطو منذ نعومة أظفاره على كتب الطب وتأثر بمنهجها، الأمر الذي انعكس بالموضوعية على منهجه، كذلك فقد عاش حياته في أثينا كأجنبي وبالتالي فلم تكن له حقوق سياسية، ولم يطمح في الحكم، وتتلمذ على يد أفلاطون وبالتالي تأثر بنظرية المثل، وهكذا كان لهذه العوامل الثلاثة أثرها البالغ في منهج أرسطو وفكره السياسي.
الدولة والمجتمع
اعتمد أرسطو على المنهج الاستقرائي، وهو أسلوب في التحليل، حيث إنه بدأ عملية المعرفة من الواقع مستهدفًا الكشف عما يجب أن يكون (أي الأمثل) ولكن في ثنايا الواقع، إذن فهو بدأ واقعيًا وانتهى مثاليًا، بدأ علميًا وانتهى فيلسوفًا، انسلخ عن مقدمات أستاذه أفلاطون (الميتافيزيقية)، ثم عاد وارتبط به في الهدف (الكشف عن الأمثل)، كما تأثر بمناهج العلوم الطبيعية (الطب) في المقدمات، وتأثر بأستاذه في الهدف (المثالية).
قدم أرسطو فكرة الغائية في تفسيره لأصل المجتمع، ومؤدى هذه الفكرة: إن لكل مخلوق غاية وغايته تحدد طبيعته، وغاية الإنسان هي إشباع سائر حاجاته (مأكل، وملبس، وخلافه)، ولكنه مخلوق ناقص لا يستطيع أن يشبع كافة حاجاته بمفرده، وبالتالي فلا بد له من التعاون مع بشر آخرين، وبناء عليه فهو كائن اجتماعي بطبعه لا يعيش إلا في مجتمع.
ولقد كانت الأسرة هي الخلية الأولى في بناء المجتمع لديه، وقد استهدف الإنسان بها سائر الحاجات الإنسانية، ثم إن رغبة الإنسان في تحقيق حياة أسمى دفعته إلى التجمع أكثر، فتجمعت الأسر معًا لتشكل القرية، ثم أراد الإنسان الأفضل، فتجمعت عدة قرى ونشأت المدينة ثم الدولة.
فالدولة أسمى من الفرد والعائلة والمدينة لأنها تمثل الكل والكل أسمى من الجزء.
الفلسفة السياسية عند أرسطو
يرى أرسطو الإنسان بمثابة حيوان سياسي؛ لأنه يستخدم الكلام على خلاف الحيوانات التي لها صوت مختلف، ويُشير إلى أن قوة الكلام تمكّن البشر من الإشارة لما هو ملائم وغير ملائم، عادل أو غير عادل، وأن طريقة تنظيمهم للرموز أمر تقليدي يُتيح إنشاء دساتير وقوانين منوعة، جيدة كانت أم سيئة، وبذلك يُحدد الشكل الذي تتخذه الدولة بحسب حكمة المشروع والدستور فيها، وأن الغرض من الدولة هو الخير لجميع المواطنين، لكن ازدهارها يتم عندما يُحكم المجتمع السياسي بحسب القوانين لا تبعًا للفرد نفسه، ويرى أن أفضل حياة للفرد هي بالضرورة الحياة السياسية، تاركًا بذلك احتمالية أن تكون الحياة النظرية المتابعة لمصلحة الفلسفة الخاصة هي أفضل طريقة ليعيش الإنسان.
وقد أكد أرسطو في كتابه «علم الأخلاق إلى نيقوماخوس»، أن السياسة الحقّة هي المبنية على الأخلاق وإرادة الخير، وإنه على السياسة والأخلاق أن تتخذ من اللذات والآلام موضوعًا لها، ونتيجة لهذا التلازم الوثيق بين الأخلاقي والسياسي، وانطلاقًا من أن الفضيلة هي وسط بين طرفين، كلاهما رذيلة، يرى أرسطو أن الدولة الفاضلة هي التي تشكل وسطًا بين أرستقراطية المال وديمقراطية الشعب، ففضّل حكم الطبقة الوسطى، ولم يرَ في الديمقراطية الخير دائمًا.
الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمدينة
رفض أرسطو شيوعية أفلاطون وقال: إن إلغاء الملكية الخاصة يقضي على الحافز لدى المتفوقين من الناس، فالناس عادة لا يهتمون إلا بما يملكون، كذلك فإن أرسطو (المتزوج والأب) رفض فكرة أفلاطون القائلة بإلغاء نظام الأسرة.
وطالب أرسطو بتحقيق العدل الاجتماعي بهدف تلافي المنازعات الداخلية، وبالنسبة للطبقات قال: إن طبقة المواطنين هي التي تمتاز بالتشريف السياسي وهي القادرة على الحكم، أما الطبقات العاملة والحرفية فهي غير مؤهلة للاشتراك في الحكم، حيث إن الطبيعة قد أهلتها فقط لتلقي الأوامر.
وظائف الدولة
يتمثل هدف الدولة الرئيس في ترقية مواطنيها، وبالتالي فواجبها الأساسي هو التعليم الذي من شأنه تحويل الأفراد إلى مواطنين صالحين من خلال رفع مستواهم الثقافي والخلقي وتعليمهم العادات الحسنة.
وميّز بين الدولة (جموع المواطنين)، والحكومة (من يتولون إصدار الأوامر)، والدستور (هو المنظم لجميع الوظائف بالدولة وخصوصًا السياسية)، وقسّم السلطات إلى ثلاث سلطات رئيسة (تشريعية وتنفيذية وقضائية)، كما نادى بفصل السلطات.
أنواع الحكومات عند أرسطو
استند أرسطو في تصنيفه للحكومات إلى معيارين؛ أحدهما كمي والآخر كيفي:
حسب المعيار الكمي قسّم الحكومات إلى حكومات فرد وحكومات قلة وحكومات كثرة، ثم وضع ثلاثة معايير كيفية للحكم على الحكومات من حيث صلاحها، وهي: الالتزام بالقانون، وتحقيق العدالة، واستهداف الصالح العام.
وطبقًا لهذه المعايير صنّف الحكومات، فبالنسبة لحكومة الفرد إذا التزمت بالقوانين وحققت العدالة، واستهدفت الصالح العام تكون حكومة صالحة وتعرف بالملكية، أما إذا لم تلتزم بالقوانين، وشاع الظلم في ظل حكمها، واستهدفت مصالح شخصية تكون حكومة فاسدة، وتعرف بحكومة الطغيان (أو الاستبداد).
وبالنسبة لحكومات القلة إذا التزمت بالقوانين وحققت العدالة، واستهدفت الصالح العام تكون حكومة صالحة، وتعرف بالأرستقراطية، أما إذا لم تلتزم بالقوانين، وشاع الظلم في ظل حكمها، واستهدفت مصالح شخصية تكون حكومة فاسدة، وتعرف بحكومة الأوليغارشية (حكم الأقلية).
وأما حكومات الكثرة إذا التزمت بالقوانين، وحققت العدالة، واستهدفت الصالح العام تكون حكومة صالحة وتعرف بالديمقراطية (أو الجمهورية)، أما إذا لم تلتزم بالقوانين، وشاع الظلم في ظل حكمها، واستهدفت مصالح شخصية تكون حكومة فاسدة، وتعرف بالديماجوجية (الغوغائية أو الفوضوية).
وأفضل أشكال الحكومات عند أرسطو هي الحكومة الدستورية القائمة على سيادة القانون، فهي أفضل من الحكومة المطلقة، حتى لو كانت مستنيرة يقوم عليها الفلاسفة، ونادى باشتراك جميع المواطنين في إصدار القوانين لأن الحكمة الجماعية للشعب أفضل من حكمة أعقل وأفضل المشرعين.
وتتميز الحكومة الدستورية بالتالي:
– استهداف الصالح العام وليس صالحًا فئويًا.
– قامت لهدف أخلاقي وهو الارتقاء بمواطنيها.
– تعبير عن شركاء يسعون معًا إلى حياة أفضل.
– تعتمد على القانون (المستمد من عادات وأعراف الجماعة) لا على أوامر تحكّمية.
– تحفظ كرامة الأفراد وتستند إلى قناعتهم لا إجبارهم.
ومن ثمَّ يمكن استخلاص خصائص الفكر السياسي اليوناني، بأنه اعتمد على نظرية المعرفة والفضيلة والأخلاق في الحضارة اليونانية، وغاية هذا الفكر الوحيدة هي بناء المدينة الفاضلة التي تحقق السعادة للمواطنين، ومال الفكر اليوناني في معظم الأحيان إلى الخيال، وقيم عالم الروح، والابتعاد عن الواقع، ودار حول ما يجب أن يكون لا ما هو كائن، وبالتالي كان بعيدًا عن الواقع.
____________________
1- تاريخ الفكر الفلسفي، محمد علي أبو ريان.
2- دراسات في الفلسفة السياسية، أحمد ظاهر.
3- مدخل إلى علم السياسة، عصام سليمان