مقالاتمقالات الرأي

مجزرة القرن في غزة وبسالة المقاومة

د. جمال نصار

شيء مذهل ولا يستطيع أي إنسان عاقل أن يستوعبه، أن نرى كل هذه المجازر التي تحدث للشعب الفلسطيني في غزة، حتى المستشفيات، وسيارات الإسعاف، والمدارس، والمساجد لم تسلم من إجرامهم، ولا نجد حَراكًا يتناسب مع كل هذه الجرائم التي تُرتكب، ولا مواقف دولية أو عربية للسعي بكل قوة لإيقاف شلالات الدماء التي تُراق بغير حق، كأن الذين يُقتلون ليسوا من جنس البشر.

وللأسف المجتمع الدولي ينظر من منظار مصالحه فقط، ولا يراعي حقوق الإنسان أو حتى الحيوان، كما يدّعون ويصدعوننا صباح مساء بأنهم الرعاة لحقوق الإنسان في العالم، كذبوا وأبانوا عن وجههم الحقيقي القبيح بكل صلافة واستكبار، ولا يهمهم إلا أمن الكيان الصهيوني، وخروج الرهائن، وكشفتهم الأحداث والممارسات، وخصوصًا إذا تعلّق الأمر بالعرب والمسلمين، والتاريخ القديم والحديث خير شاهد على ذلك.

أقول هذا الكلام، والعالم كله يتابع المجازر الوحشية التي يمارسها الكيان الإسرائيلي على شاشات التلفاز، وكأننا نرى أفلامًا من إنتاج هوليود التي يصنعها الأمريكان لخداع بني البشر في كل مكان.

وعلى الرغم من هذا الكم الهائل من الوحشية والمجازر إلا أننا نرى في المقابل الشعب الفلسطيني في غزة يُقدّم للعالم كله نماذج من البطولات، والصبر، والتمسّك بأرضه مهما كلفه ذلك من تضحيات بالنفس والمال وهدمٍ للبيوت، وتدمير لكل مظاهر الحياة.

 

والغريب أنه مع كل هذه الوحشية نجد أن الأنظمة الحاكمة في العالم العربي غير عابئة، إلا مَنْ رحم، بهذه المجازر، وأصبحوا في مجملهم من جماعة (لا سمح الله)، بل وصل الأمر ببعضهم أنهم يتمنون زوال حماس من الوجود لأنها تهدد عروشهم وتكشف زيفهم، بل أكثر من ذلك أن البعض يدعم الكيان بكل ما يستطيع للقضاء على المقاومة، وهذا ما صرّح به عضو المكتب السياسي في حماس الدكتور موسى أبو مرزوق عبر شاشة الجزيرة.

والسؤال الجوهري الذي يجب أن يجيب عنه المجتمع الدولي، وخصوصًا الداعمين للكيان الصهيوني غربًا وعربًا؛ كم ألف فلسطيني يحق لـ (إسرائيل) قتلهم وهي تدافع عن نفسها؟! وهل الدفاع عن النفس يتطلب كل هذا الكم الهائل من آلاف الأطنان من المتفجرات وخصوصًا الممنوعة دوليًا، واستخدامها بكل هذه الشراسة لقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وهدم المنازل والمستشفيات، وكل مظاهر الحياة، وتجريف الأرض بكل ما فيها، ومنع الماء والغذاء والوقود؟!

ومع كل هذا الذي نراه ونلمسه من مواقف مخزية، لا بد أن يعلم هؤلاء بأن التاريخ لن يرحم كل من فرّط في مقدرات هذه الأمة، سواء على المستوى البشري، أو على مستوى المقدرات والإمكانيات المادية التي وهبها الله لنا، أو استسلم لأجندات خارجية لا تصُب في مصلحة الأمة.

وعلى الرغم من كل هذه المؤامرات التي تُحاك لأمتنا، والتحديات التي تواجهها، إلا أننا نرى هذا الكمّ الهادر من الشجاعة والبسالة للمقاومة الفلسطينية بكل فصائلها، وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسّام، التي أحيت الأمة بعد موات، وعلّمت العالم كله كيف تكون المواجهة مع العدو الغاصب، الذي لا يعرف إلا منطق القوة.

وهذا الاستعداد الذي أبهر العالم الغربي بكل جبروته، وزلزل أركان الصهاينة في كل مكان، وجعل العديد من الدول التي تُسمّى بالعظمي تتحرك بكل آلياتها وحاملات طائراتها للوقوف جنبًا إلى جنب مع الصهاينة المعتدين، على الرغم من تأكيد نصوص الأمم المتحدة أن هذا الكيان محتل للأرض، وارتكب عشرات المجازر الوحشية في حق الشعب الفلسطيني على مدى عقود.

أقول برغم ظلمة الليل والتحديات الهائلة التي يقابلها الشعب الفلسطيني الصامد، إلا أن نور الفجر أوشك على البزوغ، ولا بد أن نعلم أن هذه الجولة في الصراع مع الصهاينة سيكون لها ما بعدها، ولديّ يقين كبير أنه ستحدث تحولات هائلة في المنطقة، لم يكن يتوقعها أكبر مراكز البحوث والدراسات والتحليل في العالم (Think tanks)، فلا بد لليل أن ينجلي، ولا بد للقيد أن ينكسر، ولا بد للظلم أن يُزال مهما طال أمده، وهذه سنة الله في الكون.

وليعلم طغاة العالم بكل تصنيفاتهم أنه لا يمكن القضاء على أي مقاومة تحرر مشروعة تُدافع عن أرضها، وتُقدّم التضحيات من أجل استرداد الحقوق المسلوبة لشعبها، وستُردُّ كل المؤامرات في صدور من أنتجها وروّج لها، وسينتصر الحق لا محالة. ويسألونك متى هو قل عسى أي يكون قريبًا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى