اجتماعيةعاممقالاتمقالات تربوية

“المكر الرباني” في مواجهة “المكر الشيطاني”

✍️: الدكتور إدريس أوهانا
قال الله تعالى في كتابه العزيز: {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.
لست بحاجة إلى تذكيركم بالمكر الصهيوصليبي في محاربة الإسلام والمسلمين، على مستوى السياسة والاقتصاد والإعلام والفن، وغيرها من مناشط الحياة ومجالات العيش الإنساني، فقد باتت مكشوفة وواضحة. لكن غرضي من هذه التدوينة لفت الانتباه إلى غفلتنا نحن عن التأسي بالله تعالى في مكره الحسن في مواجهتنا لمكرهم السيء الخبيث الخطير!!
إننا بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى استعمال هذه الصفة -تأسيا بالله تعالى- في التمكين للمشروع الإسلامي وللرسالة الإسلامية في واقعنا المجتمعي، وفي مزاحمة المشاريع الهدامة ومدافعتها ببدائل بانية نوعية وقوية، في مختلف المجالات والأصعدة المتاحة والممكنة.
إننا بحاجة اليوم – في ظل التضييق الممنهج والتعامل مع كل ما هو إسلامي على أنه فزاعة- إلى استعمال أسلوب “المكر الحسن” في سياق البناء والإصلاح؛ الأسلوب الذي لا يحمل يافطة حركية في المناشط والأعمال العامة (كالشركات والمعامل، والمؤسسات التعليمية والإعلامية الخاصة، وغيرها) ولا يتميز صاحبه بمظهر ديني خاص وملفت، أو يتحدث بخطاب إيديولوجي مغلق، بل يتصرف بأسلوب منفتح مألوف، وبقوة ناعمة مندمجة، وبإيمان في القلب والتزام في الضمير يعبر عن نفسه في سلوك حضاري رفيع، ونموذج أخلاقي عملي جميل.
آن الأوان للغيورين على دينهم وأمتهم، الحاملين لهم النهضة والاستئناف الحضاري، أن ينجحوا في تفسير الإيمان والالتزام بطريقة واقعية عملية جذابة. تجعلهم يألفون ويؤلفون، وينجذب الناس إليهم، ولا يشعرون بفجوة تفصلهم عنهم، ويتأسون بحالهم قبل مقالهم، ولا يثيرون -أقصد الغيورين على دينهم- أي قلق أو توجس عند استخبارات الدولة وحماة أمنها.
كم هو جميل جدا أن تجد “رجل مال وأعمال” مثلا ناجحا جدا، وهو أنيق المظهر، بشوش المحيى، مستعص عن التصنيف بناء على مظهره، وقلبه ممتلئ إيمانا وتعلقا بالله واليوم الآخر، وكله غيرة على دينه ووطنه وأمته، يعمل أعمالا صالحة نافعة من غير جعجعة ولا ضجيج.
لا يعنيه أن يلتحي عمله، أو يحمل يافطة هيئة بعينها، بقدر ما يعنيه العمل نفسه، والإنجاز ذاته، ومدى صلاحه ونفعيته. وقس على رجل الأعمال ذاك، سائر رجالات المناشط والمجالات الأخرى.
وإذا اشتغل مثل هؤلاء في فريق، ضمن مؤسسات وشركات قانونية، بمنأى عن التحزبات والتنظيمات التي تثير الشكوك لدى الأنظمة، وتبعث على التوجس، كان أفضل وأضمن للانتشار والامتداد في خدمة المجتمع والوطن والأمة وقيم الدين السمحة الوسطية.
وإذا جمعت تلك الإرادات والعزائم الربانية التي تحمل إيمانها في قلوبها، ولا تكاد تميزها بين بني جلدتها، -إذا جمعت- بين الحضور في العالم الواقعي، وفي العالم الأزرق ومواقع التواصل الاجتماعي، ودائما بمنطق”خير الماكرين” كان ذلك أجدى في خدمة الرسالة وتوسيع أثرها، وجذب المتبنين لها والعاملين بمقتضاها، في جو من السلام والأمان والقبول والارتياح.
وبذلك يستعاد التدين ويستزاد ويرشد لا بمنطق القول والوعظ والتكليف والإلزام، بل بمنطق الفعل والنموذج الحضاري العملي المتمدن، المندمج والمنفتح والمقبول، الذي يقتبس منهجه ونوره من قوله تعالى: {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.
ومن لم يفقه واقعه، ويتحرك فيه بمقتضاه، عاش على الهامش بلا أثر يذكر‼️

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى