عاممقالاتمقالات تربوية

*توجيهات تربوية مستنبطة من سورة الفاتحة: الآية الأولى*

أ. محمد العوامي

“تعتبر سورة الفاتحة قلب القرآن وروحه، وهي تحتوي على أعمق المعاني وأسمى العبادات. في هذه السورة، نجد أن الله تعالى يوجهنا إلى أسمى مراتب الإيمان والتسليم، ويرسخ في نفوسنا قيمًا سامية”.
“سنتناول في هذا المقال الآية الأولى من السورة، وهي “الحمد لله رب العالمين”، ونستخرج منها مجموعة من التوجيهات التربوية التي تساهم في بناء شخصية المسلم المتكاملة”. ¹

“إن الناظر في كتاب الله الكريم يستطيع أن يدرك بوضوح، أن مقام الحمد هو أول مقام افتتح الله تعالى به آياته البينات: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾. ففي هذا الافتتاح إقرار جوهري مطلق بتوحيد الألوهية المتضمن في كلمة “الله”، وتوحيد الربوبية المتضمن في كلمة “رب العالمين”. كما أن هناك توحيد الأسماء والصفات المتضمّن في الكلمتين التاليتين “الرحمن الرحيم”. وكما افتتح الخالق عز وجل كتابه العظيم بمقام الحمد، افتتح أيضا كتابه المنظور به. فكل ما خلق الله تعالى في الكون تمّ على أساس هذا المقام.”²

▪️معاني ودلالات الحمد
“والحمد لله هو الشعور الذي يفيض به قلب المؤمن بمجرد ذكره لله.. فإن وجوده ابتداء ليس إلا فيضا من فيوضات النعمة الإلهية التي تستجيش الحمد والثناء، وفي كل لمحة، وفي كل لحظة، وفي كل خطوة، تتوالى آلاء الله وتتواكب وتتجمع، وتغمر خلائقه كلها وبخاصة هذا الإنسان.. ومن ثم كان الحمد لله ابتداء، وكان الحمد لله ختاما قاعدة من قواعد التصور الإسلامي المباشر: (وهو الله لا إله إلا هو، له الحمد في الأولى والآخرة) [(القصص، 70)].
ومع هذا يبلغ من فضل الله سبحانه وفيضه على عبده المؤمن، أنه إذا قال: الحمد لله، كتبها له حسنة ترجح كل الموازين.. في سنن ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ حدثهم أن عبدا من عباد الله قال: “يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك”، فعضلت الملكين، فلم يدريا كيف يكتبانها، فصعدا إلى الله فقالا: يا ربنا إن عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها، قال الله وهو أعلم بما قال عبده: وما الذي قال عبدي؟ قالا: يا رب، إنه قال: لك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فقال الله لهما: اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها.. والتوجه إلى الله بالحمد يمثل شعور المؤمن الذي يستجيشه مجرد ذكره لله”.³

✔️ يقول سعيد بن جُبير رحمه الله .:”أوَّلُ من يُدعى إلى الجنّة الحمَّادون، الذين يحمدون الله في السرّاء والضرّاء ” ⁴

✔️ ليس عبثاً أن يكون أوَّل ما نقرأ من القرآن سورة الحمد، وأوَّل ما نطق به آدم عليه السَّلام: الحمد لله ربِّ العالمين، وأوَّل ما ينطق به أهل الجنة: “الحمد لله الَّذي صدقنا وعده…”.

✔️ “الحمد لله رب العالمين” هي أول كلمة ننطق بها في صلاتنا، وهي تحمل في طياتها معانٍ عميقة. الحمد: هو الثناء على الله تعالى على كل ما أنعم به علينا من نعم ظاهرة وباطنة، وهو تعبير عن الشكر والامتنان لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى.

▪️فيما يلي بعض الآثار التربوية لحمد الله:

• ️ تزكية النفس وتربيتها على الأخلاق الحميدة: فالحمد لله ينمي في النفس مشاعر الشكر والعرفان، ويزيد من محبة الله ورضاه، ويقوي الإقبال على الطاعة، ويدفع عن النفس السوء والفحشاء.

• ️ ️تقوية الإيمان والإخلاص لله تعالى: لأن الحمد يتضمن إقرار القلب بوحدانية الله تعالى، وأن الخلق جميعاً مملوكون له، وأنهم لا يستحقون شيئاً من الحمد والشكر إلا هو سبحانه وتعالى.

• ️ ️الشعور بالرضا والقناعة: لأن الحمد يتضمن الاعتراف بفضل الله تعالى على عباده، وأن الخلق جميعاً مملوكون له، وأنهم لا يستحقون شيئاً من الحمد والشكر إلا هو سبحانه وتعالى.

• ️ ️الفوز برضا الله وأجره: فالحمد لله من أعظم العبادات التي يحبها الله، ومن أعظم الأسباب التي تؤدي إلى الفوز برضاه وأجره.

• ️ زيادة المحبة لله تعالى: لأن الحمد يتضمن الاعتراف بفضل الله تعالى على عباده، والثناء عليه بصفاته العلى، وهذا كله من أعظم الأسباب التي تزيد المحبة لله تعالى في القلب.

□ ولتربية النفس على الحمد يجب تذكر أن:
• ️إدراك أهمية الحمد في حياة المسلم، وأن له آثاراً عظيمة على النفوس.
• ️ ️الحرص على تكرار الحمد في الصلاة، وفي كل الأوقات.
• ️ ️العناية بتربية النفس على الاعتراف بفضل الله تعالى على عباده، والثناء عليه بصفاته العلى.
• ️ ️البعد عن كل ما يشغل القلب عن الحمد لله تعالى.
• ️ ️أن الحمد من القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه.
• ️ ️الدعاء إلى الله تعالى أن يرزقك حب الحمد.

□ ولعل تكرار قول الحمد لله في الصلاة يعكس أهمية هذه الآية الكريمة وآثارها العظيمة على النفوس، ففي كل ركعة من صلواتنا نبدأ بقول الحمد لله، وهذا يؤكد على ضرورة أن يكون الحمد لله حاضرًا في أذهاننا وقلوبنا في كل لحظة من حياتنا.

☆إن الآية الأولى من سورة الفاتحة تحمل في طياتها كنوزًا من المعرفة والحكمة، وهي مصدر لا ينضب للتوجيهات التربوية، من خلال تطبيق هذه التوجيهات في حياتنا اليومية، يمكننا أن نربي أجيالًا صالحة متمسكة بدينها وقيمها، قادرة على مواجهة تحديات الحياة بثقة وعزم.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً إلى شكر نعمه، وحمده على فضله، وأن يجعلنا من عباده الشاكرين.
_________________
¹. التفسير الحديث – المؤلف: دروزة محمد عزت
². د. عبد الكامل أوزال
³. في ظلال القرآن- سيد قطب
⁴.رواه ابن المبارك في الزهد بسند صحيح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى